الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3542 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 40 ] ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      ما تعبدون من دونه أي من دون الله إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم يعني أنكم سميتم، ما لا يستحق الإلهية آلهة، ثم طفقتم تعبدونها، فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء فارغة لا مسميات تحتها: ما أنـزل الله بها من سلطان أي حجة تدل على صحتها إن الحكم أي في أمر العبادة والدين إلا لله لأنه مالك، وهو لم يحكم بعبادتها; لأنه أمر ألا تعبدوا إلا إياه لأن العبادة غاية التذلل، فلا يستحقها إلا من له غاية العظمة، ذلك أي التوحيد الدال على كمال عظمة الله، بحيث لا يشاركه فيها غيره الدين القيم أي الحق المستقيم الثابت، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي لجهلهم، ولذا كان أكثرهم مشركين.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      لا يخفى أن قوله تعالى: قال لا يأتيكما طعام إلى هنا، مقدمة لجواب سؤالهما عن تعبير رؤياهما، مهد، عليه السلام بها له ليدعوهما إلى التوحيد، ليزدادا علما بعظم شأنه، وثقة بأمره، توسلا بذلك إلى تحقيق ما يتوخاه من هدايتهما، لا سيما وأن أحدهما ستعاجله منيته بالصلب، فرجا أن يختم له بخير.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري: لما استعبراه ووصفاه بالإحسان، افترض ذلك، فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء، وهو الإخبار بالغيب، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام، وجعل ذلك تخلصا إلى أن يذكر لهما التوحيد، ويعرض عليهما الإيمان، ويزينه لهما، ويقبح إليهما الشرك بالله. وهذه طريقة، على كل ذي علم أن يسلكها مع الجهال والفسقة [ ص: 3543 ] إذا استفتاه واحد منهم، أن يقدم الهداية والإرشاد والموعظة الحسنة والنصيحة أولا، ويدعوه إلى ما هو أولى به، وأوجب عليه مما استفتي فيه، ثم يفتيه بعد ذلك. وفيه: أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم، فوصف نفسه بما هو بصدده -وغرضه أن يقتبس منه، وينتفع به في الدين- لم يكن من باب التزكية. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وبعد تحقيق الحق، ودعوتهما إليه، وبيانه لهما مرتبة علمه، شرع في تفسير ما استفسراه. ولكونه بحثا مغايرا لما سبق، فصله عنه بتكرير الخطاب فقال:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية