الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا

"السماء" في هذا القسم يحتمل أن تكون المعروفة، ويحتمل أن تكون السحاب، و"الرجع": المطر وماؤه، ومنه قول الهذلي :


أبيض كالرجع رسوب إذا ما ثاخ في محتفل يختلي



وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الرجع: السحاب والمطر، قال الحسن: لأنه يرجع بالرزق كل عام، قال غيره: لأنه يرجع إلى الأرض، وقال ابن زيد : الرجع مصدر رجوع الشمس والقمر والكواكب من حال إلى حال، ومنه منزلة، تذهب وترجع.

و"الصدع": النبات; لأن الأرض تتصدع عنه، وهذا قول يناسب قول من قال: إن الرجع هو المطر، وقال مجاهد : الصدع: ما في الأرض من شعاب ولصاب وخندق وتشقق بحرث وغيره، وهي أمور فيها معتبر، وهذا قول يناسب القول الثاني في "الرجع".

والضمير في "إنه" للقرآن -ولم يتقدم له ذكر- من حيث القول في جزء منه والحال تقتضيه. و"فصل": معناه: جزم، فصل الحقائق من الأباطيل، و"الهزل": اللعب الباطل.

ثم أخبر تعالى عن قريش إنهم يكيدون في أفعالهم وأقوالهم وتمرسهم بالنبي عليه [ ص: 588 ] الصلاة والسلام وتدبيرهم رد أمره، ثم قوى الله تعالى ذلك بالمصدر وأكده، وأخبر سبحانه عن أنه يفعل بهم عقابا سماه كيدا، على العرف في تسمية العقوبة باسم الذنب، ثم ظهر من قوله تعالى: "فمهل الكافرين" أن عقابه لهم الذي سماه كيدا متأخر حتى ظهر ببدر وغيره، وقرأ جمهور الناس: "أمهلهم"، وقرأ ابن عباس : "مهلهم"، وفي هذه الآية موادعة نسختها آية السيف.

وقوله تعالى: "رويدا" معناه: قليلا، قاله قتادة ، وهذه حال، وهذه اللفظة إذا تقدمها شيء تصفه، كقولك: سير رويدا، وتقدمها فعل يعمل فيها كهذه الآية، وأما إذا ابتدأت بها فقلت: "رويدا يا فلان" فهي بمعنى الأمر بالتمهل، يجري مجرى قولهم: صبرا يا زيد وقليلا يا عمرو .

كمل تفسير سورة [الطارق] والحمد لله رب العالمين

التالي السابق


الخدمات العلمية