الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ومن أحيا أرضا ميتة فهي له ، مسلما كان أو كافرا ، بإذن الإمام أو غير إذنه في دار الإسلام وغيرها ، إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها ، وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لم يملك بالإحياء ، وإن لم تتعلق بمصالحه فعلى روايتين ، ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار والنفط والكحل والجص بالإحياء ، وليس للإمام إقطاعه ، وإذا كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء ، وللإمام إقطاعه ، وإذا ملك المحيا ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة ، وإن ظهر فيه عين ماء ، أو معدن جار ، أو كلأ ، أو شجر فهو أحق به ، وهل يملكه ؛ على روايتين ، وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره ، وهل يلزمه بذله لزرع غيره ؛ على روايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ومن أحيا أرضا ميتة فهي له ) أي للمحيي للأخبار ( مسلما كان ) اتفاقا ، سواء كان مكلفا أو لا ، لكن شرطه أن يكون ممن يملك المال ; لأنه يملكه بفعله كالاصطياد ( أو كافرا ) أي : ذميا في المنصوص ، وعليه الجمهور للعموم ، وقال ابن حامد : لا يملك الذمي بالإحياء ، وحمل أبو الخطاب قوله على دار الإسلام ، قال القاضي : هو مذهب جماعة من أصحابنا لقوله عليه السلام : موتان الأرض [ ص: 250 ] لله ورسوله ، ثم هي لكم " وجوابه بعد تسليم صحته أنها لكم ، أي : لأهل داركم ، والذمي من أهل دارنا ، فعلى المنصوص إذا أحيا مواتا عنوة لزمه عنه الخراج ، وإن أحيا غيره فلا شيء عليه في الأشهر ، ونقل عنه حرب : عليه عشر ثمره ، وزرعه ( بإذن الإمام أو غير إذنه ) قاله الأصحاب ، ونص عليه أحمد مستدلا بعموم الحديث ، ولأنها عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن كأخذ المباح ، وهو مبني على أن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال ، وقيل : لا يجوز إلا بإذنه ، وحكاه في " الواضح " رواية ; لأن له مدخلا في النظر في ذلك ( في دار الإسلام وغيرها ) يعني أن جميع البلاد سواء في ذلك ، فتحت عنوة كأرض الشام ، والعراق ، وما أسلم أهله عليه كالمدينة ، وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كخيبر ، ويستثنى من ذلك موات الحرم وعرفات ، وعنه : ليس في أرض السواد موات معللا بأنها لجماعة ، فلا يختص بها أحدهم ، وحملها القاضي على العام ، وأن أحمد قاله حين كان السواد عامرا في زمن عمر ( إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها ) أي : لا يملك مسلم بالإحياء موات بلدة كفار صولحوا على أنها لهم ، ولنا خراجها ; لأنهم صولحوا في بلادهم فلا يجوز التعرض لشيء منها ; لأن الموات تابع للبلد ، ويفارق دار الحرب ; لأنها على أصل الإباحة ، وقيل : يملك به لعموم الخبر ، ولأنها من مباحات دارهم ، فملك به كالمباح .

                                                                                                                          ( وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه ) كطرقه ، وفنائه ، ومسيل مائه ، ومرعاه ، ومحتطبه ، وحريمه ( لم يملك بالإحياء ) بغير خلاف نعلمه ، لمفهوم قوله عليه السلام : من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له ، ولأن ذلك من [ ص: 251 ] مصالح الملك فأعطي حكمه ، وذكر القاضي أن منافع المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء ، لكن هو أحق بها من غيره ، وعلى الأول لا يقطعه إمام لتعلق حقه به ( وإن لم تتعلق بمصالحه فعلى روايتين ) أنصهما وأشهرهما عند الأصحاب أنه يملك بالإحياء للعموم مع انتفاء المانع ، وهو التعلق بمصالح العامر ، والثانية : لا يملك به تنزيلا للضرر في المآل منزلة الضرر في الحال ، إذ هو بصدد أن يحتاج إليه في المآل ، والأولى أولى ; لأنه عليه السلام أقطع بلال بن الحارث العقيق ، وهو يعلم أنه من عمارة المدينة ، ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة ، فجاز إحياؤه كالبعيد ، والمرجع في القرب والبعد إلى العرف ، وعليها للإمام إقطاعه .

                                                                                                                          فائدة : إذا وقع في الطريق نزاع وقت الإحياء ، فلها سبعة أذرع للخبر ، ولا تغير بعد وضعها ; لأنها للمسلمين ، نص عليه ، وقال فيمن أخذ منها شيئا : توبته أن يرد ما أخذ .

                                                                                                                          ( ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار ) وهو شيء أسود ، تطلى به السفن ( والنفط ) بفتح ، وكسرها ، وهو أفصح ( والكحل والجص بالإحياء ) لما روى عمرو بن عوف المزني عن أبيض بن حمال أنه وفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستقطعه الملح ، فقطع له ، فلما ولى قال رجل : أتدري ما قطعت له ؛ إنما قطعت له الماء العد ، قال : فانتزعه منه ، قال : وسأله عما يحمى من الأراك ؛ قال : ما لم تنله أخفاف الإبل ، رواه الترمذي ، ولأن هذا مما تتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم [ ص: 252 ] يجز إحياؤه كطرقات المسلمين ، قال ابن عقيل : هذا من موارد الله الكريم ، وفيض جوده العميم ، فلو ملك بالاحتجار ملك منعه ، فضاق على الناس ( وليس للإمام إقطاعه ) بغير خلاف علمناه لما ذكرنا ، فأما المعادن الباطنة وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة ، فإن كانت ظاهرة فهي كالأول ، وإن لم تكن ظاهرة فظاهر المذهب أنها كذلك ، وقيل : يملك به ; لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة ، فملك بالإحياء كالأرض ، وعلى الأول ليس للإمام إقطاعها ، وصحح في " المغني " ، و " الشرح " خلافه ; لأنه - عليه السلام أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية .

                                                                                                                          فرع : ما نضب عنه الماء في الجزائر ، فالأشهر أنه لا يملك به ; لأن البناء فيها يرد الماء إلى الجانب الآخر ، فيضر بأهله .

                                                                                                                          ( وإذا كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء ) في الأصح ; لأنه لم يضيق على أحد ، فلم يمنع منه كبقية الموات ، وإحياؤه بعمل مما يصلح له من حفر ترابه ، وتمهيده ، وفتح قناة إليه ( وللإمام إقطاعه ) كبقية الموات ( وإذا ملك المحيا ) أي : إذا ملك الأرض بالإحياء ( ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة ) والحديد ; لأنه ملك الأرض بجميع أجزائها وطبقاتها ، وهذا منها بخلاف الكنز فإنه مودع فيها ، ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل إحيائها ; لأنه قطع عن الناس نفعا كان واصلا إليهم ، وظاهره أنه يملك المعادن الظاهرة ، ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها [ ص: 253 ] كان له إحياؤها ، ويملكها بما فيها ; لأنه صار أحق بتحجره وإقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه .

                                                                                                                          ( وإن ظهر فيه عين ماء ، أو معدن جار ، أو كلأ ، أو شجر فهو أحق به ) لقوله عليه السلام " من سبق إلى من لم يسبق إليه مسلم فهو له " رواه أبو داود ، وفي لفظ " فهو أحق به " ولأنه لو سبق إلى المباح الذي لا يملك أرضه فهو أحق به ، فهنا أولى ( وهل يملكه ؛ على روايتين ) أصحهما لا يملكه ، لقوله عليه السلام " الناس شركاء في ثلاث : في الماء ، والكلأ ، والنار " رواه ابن ماجه ، ولأنها ليست من أجزاء الأرض ، فلم يملكها بملك الأرض كالكنز ، والثانية بلى ; لأنها خارجة من أرضه ، أشبه المعادن الجامدة والزرع ( وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره ) لما روى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ ، متفق عليه ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا " من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة " رواه أحمد ، ومحله إذا لم يجد ماء مباحا ، ولم ينضر بها ، واعتبر القاضي اتصاله بمرعى ، ولا يلزمه الحبل والدلو ; لأنه يتلف بالاستعمال ، أشبه بقية ماله ، قاله في " الكافي " ( وهل يلزمه بذله لزرع غيره ؛ على روايتين ) أصحهما : يلزمه ، لما روى إياس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع فضل الماء رواه أبو داود ، والترمذي وصححه ، قال أحمد : إلا أن يؤذيه بالدخول ، أو له [ ص: 254 ] فيه ماء السماء ، فيخاف عطشا فلا بأس أن يمنعه ، والثانية لا يلزمه ، جزم بها في " الوجيز " ; لأن الزرع لا حرمة له في نفسه ، فعليها يبيعه بكيل ، أو وزن ، ويحرم مقدرا بمدة معلومة ، أو بالري ، أو جزافا ، قاله القاضي وغيره ، قال : وإن باع آصعا معلومة من سائح ، جاز كماء عين ، لا بيع كل الماء لاختلاطه بغيره .




                                                                                                                          الخدمات العلمية