الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس [شواهق] الجبال فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل عليه السلام فقال له: يا محمد ، إنك لرسول الله حقا . فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه ، فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا بمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة تبدى له جبريل فقال مثل ذلك .

            أخبرنا عبد الأول بن عيسى قال: أخبرنا أبو المظفر قال: أخبرنا ابن أعين قال:

            أخبرنا الفربري قال: حدثنا البخاري قاله: حدثنا يحيى بن بكر قال: أخبرنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله قال:

            سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي ، فقال في حديثه: فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء [جالس] على كرسي بين السماء والأرض فجثيت منه رعبا ، فرجعت فقلت: زملوني [زملوني] فدثروني فأنزل الله عز وجل يا أيها المدثر 74: 1 . قال مؤلف الكتاب : هذا حديث متفق على صحته ، والذي قبله .

            وقد روى ابن إسحاق ، عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير أنه حدث عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما يثبته فيما أكرمه الله عز وجل به من نبوته - يا بن عم ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم . قالت: فإذا جاءك فأخبرني به ، فجاءه جبريل فقال: يا خديجة ، هذا جبريل . قالت: فقم فاجلس على فخذي اليسرى فقام فجلس فقالت: هل تراه؟ قال: نعم قالت: فتحول إلى فخذي اليمنى فتحول فقالت: هل تراه؟ قال نعم . [قالت: فتحول فاجلس في حجري . فجلس فقالت: هل تراه؟ قال: نعم ، ] فألقت خمارها وقالت: هل تراه؟

            قال: لا . قالت: يا بن عم اثبت وأبشر ، فو الله إنه لملك وما هو بشيطان
            .

            أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي البزاز قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال:

            أخبرنا حماد بن سلمة قال: حدثنا علي بن زيد:

            أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالحجون وهو مكتئب حزين ، فقال: "اللهم أرني [اليوم] آية لا أبالي من كذبني بعدها من قومي" فإذا شجرة من قبل عقبة المدينة فناداها فجاءت تشق الأرض حتى انتهت إليه ، فسلمت عليه ، ثم أمرها فرجعت . فقال:

            "ما أبالي من كذبني بعدها من قومي"
            .

            أخبرنا علي بن عبد العزيز السماك قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن محمد بن الطيب قال: أخبرنا عثمان بن يوسف العلاف : أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد قال: حدثني عبيد الله بن محمد وأبو ربيعة وداود بن شبيب قالوا: أخبرنا حماد بن زيد ، عن علي بن زيد بن رافع ، عن عمر رضي الله عنه قال:

            كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون فقال: اللهم أرني آية لا أبالي من كذبني بعدها من قريش فقيل له: ادع هذه الشجرة فدعاها فأقبلت تجر عروقها تقطعها ، ثم أقبلت تجز الأرض [حتى] وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قالت: ما تشاء؟ ما تريد؟

            قال: "ارجعي إلى مكانك" فرجعت إلى مكانها ، فقال: "والله ما أبالي من كذبني من قريش"
            . [ فترة الوحي ونزول سورة الضحى ]

            قال ابن إسحاق : ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من ذلك ، حتى شق ذلك عليه فأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه ، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به ، ما ودعه وما قلاه ، فقال تعالى : والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى يقول : ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك .

            وللآخرة خير لك من الأولى أي لما عندي من مرجعك إلي ، خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . ولسوف يعطيك ربك فترضى من الفلج في الدنيا ، والثواب في الآخرة .

            ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى يعرفه الله ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ، ومنه عليه في يتمه وعيلته وضلالته ، واستنقاذه من ذلك كله برحمته .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية