الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ذكر أسلم

            قال ابن إسحاق : ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، رضوان الله وسلامه عليه ، وهو يومئذ ابن عشر سنين .

            [ نشأته في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك ]

            وكان مما أنعم الله ( به ) على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام .

            قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج قال : كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب ، ومما صنع الله له ، وأراده به من الخير ، أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه ، وكان من أيسر بني هاشم ، يا عباس : إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا إليه ، فلنخفف عنه من عياله ، آخذ من بنيه رجلا ، وتأخذ أنت رجلا ، فنكلهما عنه فقال العباس : نعم . فانطلقا حتى أتيا أبا طالب ، فقالا له : إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه ؛ فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما - قال ابن هشام : ويقال : عقيلا وطالبا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه ؛ فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا ، فاتبعه علي رضي الله عنه ، وآمن به وصدقه ؛ ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه . وفي الكامل عن ابن إسحاق : أول من أسلم علي وعمره إحدى عشرة سنة . وقال الكلبي : كان عمره تسع سنين ، وقيل : إحدى عشرة سنة . وفي زاد المعاد: وبادر إلى الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان ابن ثمان سنين ، وقيل : أكثر من ذلك ، وكان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : ثم إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جاء بعد ذلك بيوم ، وهما يصليان ، فقال علي : يا محمد ما هذا ؟ قال : " دين الله الذي اصطفى لنفسه ، وبعث به رسله ، فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، وإلى عبادته ، وأن تكفر باللات والعزى " . فقال علي : هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم ، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب . فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره . فقال له : " يا علي إذا لم تسلم فاكتم " . فمكث علي تلك الليلة ، ثم إن الله أوقع في قلب علي الإسلام ، فأصبح غاديا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءه ، فقال : ماذا عرضت علي يا محمد ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وتكفر باللات والعزى ، وتبرأ من الأنداد " . ففعل علي وأسلم ، ومكث يأتيه على خوف من أبي طالب وكتم علي إسلامه ، ولم يظهره . [ خروج علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعاب مكة يصليان ، ووقوف أبي طالب على أمرهما ]

            قال ابن إسحاق : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب . ومن جميع أعمامه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا . فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا . ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ابن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال : أي عم ، هذا دين الله ، ودين ملائكته ، ودين رسله ، ودين أبينا إبراهيم - أو كما قال صلى الله عليه وسلم - بعثني الله به رسولا إلى العباد ، وأنت أي عم ، أحق من بذلت له النصيحة ، ودعوته إلى الهدى ، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه ، أو كما قال ؛ فقال أبو طالب : أي ابن أخي ، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه ، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت وذكروا أنه قال لعلي : أي بني ، ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال : يا أبت ، آمنت بالله وبرسول الله ، وصدقته بما جاء به ، وصليت معه لله واتبعته . فزعموا أنه قال له : أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه . عن حية العوفي قال : رأيت عليا عليه السلام ضحك على المنبر لم أره ضحك ضحكا قط أكثر منه ، حتى بدت نواجذه ، ثم قال:

            ذكرت قول أبي طالب ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نصلي ببطن نخلة ، فقال: ماذا تصنعان يا بن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقال: ما بالذي تصنعان من باس - أو ما بالذي تقولان بأس - ولكني لا والله لا تعلوني استي أبدا ، وضحك تعجبا بقول أبيه ، ثم قال: لا أعرف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك - ثلاث مرات - لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعا
            . وعن عفيف وكان عفيف أخا الأشعث بن قيس لأمه أنه قال : كنت امرأ تاجرا ، فقدمت منى أيام الحج ، وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرا ، فأتيته أبتاع منه وأبيعه ، قال : فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء فقام يصلي تجاه الكعبة ، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي ، وخرج غلام فقام يصلي معه ، فقلت : يا عباس ما هذا الدين ؟ إن هذا الدين ما ندري ما هو ؟ فقال : هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله ، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه ، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به ، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به . قال عفيف : فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون ثانيا . وقال محمد بن كعب : أول من أسلم من هذه الأمة خديجة ، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وأسلم علي قبل أبي بكر وكان علي يكتم إيمانه خوفا من أبيه ، حتى لقيه أبوه ، قال : أسلمت ؟ قال : نعم . قال : وآزر ابن عمك وانصره . قال : وكان أبو بكر الصديق أول من أظهر الإسلام . وعن جابر قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين ، وصلى علي يوم الثلاثاء . وقال آخرون : أول من أسلم من هذه الأمة أبو بكر الصديق . والجمع بين الأقوال كلها أن خديجة أول من أسلم من النساء ، وظاهر السياقات ، وقبل الرجال أيضا . وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب فإنه كان صغيرا دون البلوغ على المشهور ، وهؤلاء كانوا إذ ذاك أهل البيت ، وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق وإسلامه كان أنفع من إسلام من تقدم ذكرهم ; إذ كان صدرا معظما ، ورئيسا في قريش مكرما ، وصاحب مال ، وداعية إلى الإسلام ، وكان محببا متألفا يبذل المال في طاعة الله ورسوله.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية