الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في العمرة أواجبة هي أم لا

                                                                                                          931 حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا عمر بن علي عن الحجاج عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي قال لا وأن تعتمروا هو أفضل قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهو قول بعض أهل العلم قالوا العمرة ليست بواجبة وكان يقال هما حجان الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة وقال الشافعي العمرة سنة لا نعلم أحدا رخص في تركها وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد وهو ضعيف لا تقوم بمثله الحجة وقد بلغنا عن ابن عباس أنه كان يوجبها قال أبو عيسى كله كلام الشافعي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن الحجاج ) هو ابن أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس . قوله : ( قال لا وأن يعتمروا هو أفضل ) احتج به الحنفية والمالكية على أن العمرة ليست بواجبة لكن الحديث ضعيف كما ستعرف .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) قال الحافظ في الفتح : في إسناده الحجاج وهو ضعيف ، وقد روى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر مرفوعا الحج والعمرة فريضتان أخرجه ابن عدي وابن لهيعة ضعيف ، ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء ، بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر : ليس مسلم إلا عليه عمرة . موقوف على جابر ، انتهى .

                                                                                                          وقال العيني في شرح البخاري : فإن قلت : قال المنذري : وفي تصحيحه له نظر فإن في سنده الحجاج بن أرطاة ولم يحتج به الشيخان في صحيحيهما وقال ابن حبان : تركه ابن المبارك ويحيى القطان وابن معين وأحمد . وقال : قال الدارقطني : لا يحتج به ، وإنما روي هذا الحديث موقوفا على جابر . وقال البيهقي ورفعه ضعيف .

                                                                                                          قلت : قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في كتاب الإمام : وهذا الحكم بالتصحيح في رواية الكرخي لكتاب الترمذي وفي رواية غيره حسن لا غير . وقال شيخنا زين الدين : لعل الترمذي إنما حكم عليه بالصحة لمجيئه من وجه آخر فقد رواه يحيى بن أيوب عن عبد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر : قلت : يا رسول الله ، العمرة فريضة كالحج؟ قال لا ، " وأن تعتمر خير لك " ، ذكره صاحب الإمام . وقال اعترض عليه بضعف عبد الله بن عمر العمري ، قال العيني : رواه الدارقطني من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغيرة عن أبي الزبير عن جابر قال : قلت : يا رسول الله ، العمرة واجبة فريضتها كفريضة الحج؟ قال : " لا وأن تعتمر خير لك " . ورواه البيهقي من رواية يحيى بن أبي أيوب عن عبيد الله غير منسوب عن أبي الزبير . ثم قال وهو عبيد الله بن [ ص: 583 ] المغيرة تفرد به عن أبي الزبير . وروى ابن ماجه من حديث طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : " الحج جهاد والعمرة تطوع " ، وروى عبد الباقي بن قانع من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه . وكذا روي عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول بعض أهل العلم قالوا العمرة ليست بواجبة ) وهو قول الحنفية والمالكية ، واستدلوا بحديث الباب قد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج .

                                                                                                          قوله : ( وكان يقال هما حجان الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة ) قال في مجمع البحار : ومعه الحج الأكبر هو يوم النحر أو يوم عرفة ويسمون العمرة الحج الأصغر وأيام الحج كلها أو القران أو يوم حج أبو بكر ، والأصغر العمرة أو يوم عرفة أو الإفراد ، انتهى ما في المجمع ( وقال الشافعي : العمرة سنة ) أي واجبة ثابتة بالسنة ، قال العيني : قال شيخنا زين الدين ما حكاه الترمذي عن الشافعي لا يريد به أنها ليست بواجبة بدليل قوله لا نعلم أحدا رخص في تركها ؛ لأن السنة التي يراد بها خلاف الواجب يرخص في تركها قطعا ، والسنة تطلق ويراد بها الطريقة وغير سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، انتهى .

                                                                                                          ( قال ) أي الشافعي ( وقد روي ) أي في كون العمرة تطوعا ( عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ضعيف ) وقد تقدم آنفا الأحاديث التي رويت في كون العمرة تطوعا ( وقد بلغنا عن ابن عباس أنه كان يوجبها ) أخرج الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس يقول : والله إنها لقرينتها في كتاب الله وأتموا الحج والعمرة لله وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس : الحج والعمرة فريضتان وإسناده ضعيف . والضمير في قوله لقرينتها للفريضة وكأن أصل الكلام أن يقول : لقرينته لأن المراد الحج كذا في فتح الباري .

                                                                                                          وقد ذهب الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر إلى وجوب العمرة واختاره البخاري في صحيحه ، واستدلوا بقول ابن عباس المذكور ، وذكره البخاري تعليقا . وبقول ابن عمر -رضي الله عنه- ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة [ ص: 584 ] وعمرة واجبتان من استطاع إليه سبيلا فمن زاد شيئا فهو خير وتطوع . أخرجه ابن خزيمة والدارقطني والحاكم ، وذكره البخاري تعليقا . وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : الحج والعمرة فريضتان ، وبقول صبي بن معبد لعمر : رأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما ، فقال : له هديت لسنة نبيك . أخرجه أبو داود . وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فوقع فيه أن تحج وتعتمر وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه ، وبأحاديث أخر غير ما ذكر ، وبقوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله أي أقيموهما ، والظاهر هو وجوب العمرة ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية