الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ شعر أبي طالب في استعطاف قريش ]

            فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه ، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها ، وتودد فيها أشراف قومه ، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تاركه لشيء أبدا حتى يهلك دونه ، فقال :

            :


            ولما رأيت القوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل     وقد صارحونا بالعداوة والأذى
            وقد طاوعوا أمر العدو المزايل     وقد حالفوا قوما علينا أظنة
            يعضون غيظا خلفنا بالأنامل     صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة
            وأبيض عضب من تراث المقاول     وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي
            وأمسكت من أثوابه بالوصائل     قياما معا مستقبلين رتاجه
            لدى حيث يقضي حلفه كل نافل     وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم
            بمفضى السيول من إساف ونائل     موسمة الأعضاد أو قصراتها
            مخيسة بين السديس وبازل     ترى الودع فيها والرخام وزينة
            بأعناقها معقودة كالعثاكل     أعوذ برب الناس من كل طاعن
            علينا بسوء أو ملح بباطل     ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة
            ومن ملحق في الدين ما لم نحاول     وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه
            وراق ليرقى في حراء ونازل     وبالبيت ، حق البيت ، من بطن مكة
            وبالله إن الله ليس بغافل     وبالحجر المسود إذ يمسحونه
            إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل     وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة
            على قدميه حافيا غير ناعل

            وأشواط بين المروتين إلى الصفا     وما فيهما من صورة وتماثل
            ومن حج بيت الله من كل راكب     ومن كل ذي نذر ومن كل راجل
            وبالمشعر الأقصى ، إذا عمدوا له     إلال إلى مفضى الشراج القوابل
            وتوقافهم فوق الجبال عشية     يقيمون بالأيدي صدور الرواحل
            وليلة جمع والمنازل من منى     وهل فوقها من حرمة ومنازل
            وجمع إذا ما المقربات أجزنه     سراعا كما يخرجن من وقع وابل
            وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها     يؤمون قذفا رأسها بالجنادل
            وكندة إذا هم بالحصاب عشية     تجيز بهم حجاج بكر بن وائل
            حليفان شدا عقد ما احتلفا له     وردا عليه عاطفات الوسائل
            وحطمهم سمر الصفاح وسرحه     وشبرقه وخد النعام الجوافل
            فهل بعد هذا من معاذ لعائذ     وهل من معيذ يتقي الله عاذل
            يطاع بنا العدى وودوا لو اننا     تسد بنا أبواب ترك وكابل
            كذبتم وبيت الله نترك مكة     ونظعن إلا أمركم في بلابل
            كذبتم وبيت الله نبزى محمدا     ولما نطاعن دونه ونناضل
            ونسلمه حتى نصرع حوله     ونذهل عن أبنائنا والحلائل
            وينهض قوم في الحديد إليكم     نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل
            وحتى ترى ذا الضغن يركب ردعه     من الطعن فعل الأنكب المتحامل
            وإنا لعمر الله إن جد ما أرى     لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
            بكفي فتى مثل الشهاب سميدع     أخي ثقة حامي الحقيقة باسل
            شهورا وأياما وحولا مجرما     علينا وتأتي حجة بعد قابل
            وما ترك قوم ، لا أبا لك ، سيدا     يحوط الذمار غير ذرب مواكل
            وأبيض يستسقى الغمام بوجهه     ثمال اليتامى عصمة للأرامل
            يلوذ به الهلاف من آل هاشم     فهم عنده في رحمة وفواصل
            لعمري لقد أجرى أسيد وبكره     إلى بغضنا وجزآنا لآكل
            وعثمان لم يربع علينا وقنفذ     ولكن أطاعا أمر تلك القبائل
            أطاعا أبيا وابن عبد يغوثهم     ولم يرقبا فينا مقالة قائل
            كما قد لقينا من سبيع ونوفل     وكل تولى معرضا لم يجامل
            فإن يلقيا أو يمكن الله منهما     نكل لهما صاعا بصاع المكايل
            وذاك أبو عمرو أبى غير بغضنا     ليظعننا في أهل شاء وجامل
            يناجي بنا في كل ممسى ومصبح     فناج أبا عمرو بنا ثم خاتل
            ويؤلى لنا بالله ما إن يغشنا     بلى قد نراه جهرة غير حائل
            أضاق عليه بغضنا كل تلعة     من الأرض بين أخشب فمجادل
            وسائل أبا الوليد ماذا حبوتنا     بسعيك فينا معرضا كالمخاتل
            وكنت امرأ ممن يعاش برأيه     ورحمته فينا ولست بجاهل
            فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح     حسود كذوب مبغض ذي دغاول
            ومر أبو سفيان عني معرضا     كما مر قيل من عظام المقاول
            يفر إلى نجد وبرد مياهه     ويزعم أني لست عنكم بغافل
            ويخبرنا فعل المناصح أنه     شفيق ويخفي عارمات الدواخل
            أمطعم لم أخذلك في يوم نجدة     ولا معظم عند الأمور الجلائل
            ولا يوم خصم إذا أتوك ألدة     أولي جدل من الخصوم المساجل
            أمطعم إن القوم ساموك خطة     وإني متى أوكل فلست بوائل
            جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا     عقوبة شر عاجلا غير آجل
            بميزان قسط لا يخس شعيرة     له شاهد من نفسه غير عائل
            لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا     بني خلف قيضا بنا والغياطل
            ونحن الصميم من ذؤابة هاشم     وآل قصي في الخطوب الأوائل
            وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا     علينا العدا من كل طمل وخامل
            فعبد مناف أنتم خير قومكم     فلا تشركوا في أمركم كل واغل
            لعمري لقد وهنتم وعجزتم     وجئتم بأمر مخطئ للمفاصل
            وكنتم حديثا حطب قدر وأنتم     الآن حطاب أقدر ومراجل
            ليهنئ بني عبد مناف عقوقنا     وخذلاننا وتركنا في المعاقل
            فإن نك قوما نتئر ما صنعتم     وتحتلبوها لقحة غير باهل
            وسائط كانت في لؤي بن غالب     نفاهم إلينا كل صقر حلاحل
            ورهط نفيل شر من وطئ الحصى     وألأم حاف من معد وناعل
            فأبلغ قصيا أن سينشر أمرنا     وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل
            ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة     إذا ما لجأنا دونهم في المداخل
            ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم     لكنا أسى عند النساء المطافل
            فكل صديق وابن أخت نعده     لعمري وجدنا غبه غير طائل

            سوى أن رهطا من كلاب بن مرة     براء إلينا من معقة خاذل
            وهنا لهم حتى تبدد جمعهم     ويحسر عنا كل باغ وجاهل
            وكان لنا حوض السقاية فيهم     ونحن الكدى من غالب والكواهل
            شباب من المطيبين وهاشم     كبيض السيوف بين أيدي الصياقل
            فما أدركوا ذحلا ولا سفكوا دما     ولا حالفوا إلا شرار القبائل
            بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم     ضواري أسود فوق لحم خرادل
            بني أمة محبوبة هندكية     بني جمح عبيد قيس بن عاقل
            ولكننا نسل كرام لسادة     بهم نعي الأقوام عند البواطل
            ونعم ابن أخت القوم غير مكذب     زهير حساما مفردا من حمائل
            أشم من الشم البهاليل ينتمي     إلى حسب في حومة المجد فاضل
            لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد     وإخوته دأب المحب المواصل
            فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها     وزينا لمن والاه رب المشاكل
            فمن مثله في الناس أي مؤمل     إذا قاسه الحكام عند التفاضل
            حليم رشيد عادل غير طائش     يوالي إلاها ليس عنه بغافل
            فوالله لولا أن أجيء بسنة     تجر على أشياخنا في المحافل
            لكنا اتبعناه على كل حالة     من الدهر جدا غير قول التهازل
            لقد علموا أن ابننا لا مكذب     لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
            فأصبح فينا أحمد في أرومة     تقصر عنه سورة المتطاول
            حدبت بنفسي دونه وحميته     ودافعت عنه بالذرا والكلاكل
            فأيده رب العباد بنصره     وأظهر دينا حقه غير باطل
            رجال كرام غير ميل نماهم     إلى الخير آباء كرام المحاصل
            فإن تك كعب من لؤي صقيبة     فلا بد يوما مرة من تزايل

            قال ابن هشام : هذا ما صح لي من هذه القصيدة ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها . [ دعا صلى الله عليه وسلم للناس حين أقحطوا ، فنزل المطر ، وود لو أن أبا طالب حي ، فرأى ذلك ]

            قال ابن هشام : وحدثني من أثق به ، قال : أقحط أهل المدينة ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكوا ذلك إليه ، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى ، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كالإكليل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره ، فقال له بعض أصحابه : كأنك يا رسول الله أردت قوله :

            :


            وأبيض يستسقى الغمام بوجهه     ثمال اليتامى عصمة للأرامل

            قال : أجل


            التالي السابق


            الخدمات العلمية