الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار قالوا في نبينا - صلى الله عليه وسلم - : ما لهذا الذي يدعي أنه رسول ، وذلك كقول فرعون في موسى : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون [ 26 \ 27 ] أي : ما له يأكل الطعام كما نأكله ، فهو محتاج إلى الأكل كاحتياجنا إليه ، ويمشي في الأسواق أي لاحتياجه إلى البيع والشراء ، ليحصل بذلك قوته ، يعنون أنه لو كان رسولا من عند الله لكان ملكا من الملائكة لا يحتاج إلى الطعام ، ولا إلى المشي في الأسواق ، وادعاء الكفار أن الذي يأكل كما يأكل الناس ، ويحتاج إلى المشي في الأسواق ، لقضاء حاجته منها ، لا يمكن أن يكون رسولا ، وأن الله لا يرسل إلا ملكا لا يحتاج للطعام ولا للمشي في الأسواق ، جاء موضحا في آيات كثيرة ، وجاء في آيات أيضا تكذيب الكفار في دعواهم هذه الباطلة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 18 ] فمن الآيات الدالة على قولهم مثل ما ذكر عنهم في هذه الآية ، قوله تعالى : وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون [ 23 \ 33 - 34 ] وقوله تعالى : وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ 17 \ 94 ] وقوله تعالى عنهم : فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا الآية [ 23 \ 47 ] وقوله تعالى : أبشرا منا واحدا نتبعه الآية [ 54 \ 24 ] وقوله : فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله الآية [ 64 \ 6 ] وقوله تعالى : قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا [ 14 \ 10 ] . ومن الآيات التي كذبهم الله بها في دعواهم هذه الباطلة ، وبين فيها أن الرسل يأكلون ويمشون في الأسواق ويتزوجون ويولد لهم ، وأنهم من جملة البشر ، إلا أنه فضلهم بوحيه ورسالته ، وأنه لو أرسل للبشر ملكا لجعله رجلا ، وأنه لو كانت في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ، لنزل عليهم ملكا رسولا ، لأن المرسل من جنس المرسل إليهم ، قوله تعالى في هذه السورة الكريمة : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق [ 25 \ 20 ] وقوله تعالى : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية [ 13 \ 38 ] وقوله تعالى : أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى [ 12 \ 109 ] أي ولم نجعلهم ملائكة ، لأن كونهم رجالا وكونهم من أهل القرى ، صريح في أنهم ليسوا ملائكة ، وقوله تعالى : ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون [ 6 \ 9 ] وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول للكفار : إنه بشر ، وإنه رسول . وذلك لأن البشرية لا تنافي الرسالة في قوله تعالى : قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا [ 17 \ 93 ] وقوله تعالى : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [ 18 \ 110 ] وقوله تعالى : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه الآية [ 41 \ 6 ] . وبين جل وعلا أن الرسل قالوا مثل ذلك في قوله : لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده الآية [ 14 \ 11 ] وقال تعالى : قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا [ 17 \ 95 ] وقوله تعالى : ويمشي في الأسواق [ ص: 19 ] [ 25 \ 7 ] جمع سوق وهي مؤنثة ، وقد تذكر . والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية