الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            دخول أبي بكر في جوار ابن الدغنة ورد جواره عليه

            [ سبب جوار ابن الدغنة لأبي بكر ]

            قال ابن إسحاق : وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، كما حدثني محمد بن مسلم ( ابن شهاب ) الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنهما حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى ، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى ، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له ، فخرج أبو بكر مهاجرا ، حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين ، لقيه ابن الدغنة أخو بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد الأحابيش . [ الأحابيش ]

            قال ابن إسحاق : والأحابيش : بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والهون بن خزيمة بن مدركة ، وبنو المصطلق من خزاعة .

            قال ابن هشام : تحالفوا جميعا ، فسموا الأحابيش ( لأنهم تحالفوا بواد يقال له الأحبش بأسفل مكة ) للحلف ويقال : ابن الدغينة .

            قال ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن عروة ( بن الزبير ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : فقال ابن الدغنة : أين يا أبا بكر ؟ قال : أخرجني قومي وآذوني ، وضيقوا علي قال : ولم ؟ فوالله إنك لتزين العشيرة ، وتعين على النوائب ، وتفعل المعروف ، وتكسب المعدوم ارجع فأنت في جواري . فرجع معه ، حتى إذا دخل مكة ، قام ابن الدغنة فقال : يا معشر قريش ، إني قد أجرت ابن أبي قحافة ، فلا يعرضن له أحد إلا بخير . قالت : فكفوا عنه [ سبب خروج أبي بكر من جوار ابن الدغنة ]

            قالت : وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح ، فكان يصلي فيه ، وكان رجلا رقيقا ، إذا قرأ القرآن استبكى . قالت : فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء ، يعجبون لما يرون من هيئته .

            قالت : فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة ، فقالوا ( له ) يا ابن الدغنة ، إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي ، وكانت له هيئة ونحو ، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم ، فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء . قالت : فمشى ابن الدغنة إليه ، فقال له : يا أبا بكر ، إني لم أجرك لتؤذي قومك ، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه ، وتأذوا بذلك منك ، فادخل بيتك ، فاصنع فيه ما أحببت ، قال : أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ؟ قال : فاردد علي جواري ، قال : قد رددته عليك قالت : فقام ابن الدغنة ، فقال : يا معشر قريش ، إن ابن أبي قحافة قد رد علي جواري فشأنكم بصاحبكم .

            قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، قال : لقيه سفيه من سفهاء قريش ، وهو عامد إلى الكعبة ، فحثا على رأسه ترابا . قال : فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة ، أو العاص بن وائل . قال : فقال أبو بكر : ألا ترى إلى ما يصنع هذا السفيه ؟ قال : أنت فعلت ذلك بنفسك . قال : وهو يقول : أي رب ، ما أحلمك أي رب ، ما أحلمك أي رب ، ما أحلمك.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية