الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 302 ] وقد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناه ، ككذب الراوي ، وغفلته ، وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث ، وسمى الترمذي النسخ علة وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال : من الصحيح صحيح معلل كما قيل منه صحيح شاذ .

        التالي السابق


        ( وقد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناه ) من الأسباب القادحة ، ( ككذب الراوي ) ، وفسقه ( وغفلته ، وسوء حفظه ، ونحوها من أسباب ضعف الحديث ) ، وذلك موجود في كتب العلل .

        ( وسمى الترمذي النسخ علة ) .

        [ ص: 303 ] قال العراقي : فإن أراد أنه علة في العمل بالحديث فصحيح ، أو في صحته فلا ; لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة .

        ( وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح ) في صحة الحديث ، ( كإرسال ما وصله الثقة الضابط ، حتى قال : من الصحيح صحيح معلل ، كما قيل : منه صحيح شاذ ) ، وقائل ذلك : أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد " .

        ومثل الصحيح المعلل بحديث مالك : " للمملوك طعامه " ، السابق في نوع المعضل فإنه أورده في الموطأ معضلا ، ورواه عنه إبراهيم بن طهمان ، والنعمان بن عبد السلام موصولا .

        وقال : فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحا يعتمد عليه .

        قيل : وذلك عكس المعلل ، فإنه ما ظاهره السلامة ، فاطلع فيه بعد الفحص على قادح ، وهذا كان ظاهره الإعلال بالإعضال ، فلما فتش تبين وصله .



        فائدة

        قال البلقيني : أجل كتاب صنف في العلل كتاب ابن المديني ، وابن أبي حاتم ، والخلال ، وأجمعها كتاب الدارقطني .

        قلت : وقد صنف شيخ الإسلام فيه " الزهر المطلول في الخبر المعلول " .

        [ ص: 304 ] وقد قسم الحاكم في علوم الحديث أجناس المعلل إلى عشرة ، ونحن نلخصها هنا بأمثلتها : أحدها أن يكون السند ظاهره الصحة وفيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه ، كحديث موسى بن عقبة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من جلس مجلسا ، فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم : سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، غفر له ما كان في مجلسه ذلك " ، فروي أن مسلما جاء إلى البخاري ، وسأله عنه ، فقال : هذا حديث مليح ، إلا أنه معلول ، حدثنا به موسى بن إسماعيل ، ثنا وهيب ، ثنا سهيل ، عن عون بن عبد الله ، قوله : وهذا أولى ; لأنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل .

        الثاني : أن يكون الحديث مرسلا من وجه ، رواه الثقات الحفاظ ، ويسند من وجه ظاهره الصحة .

        كحديث قبيصة بن عقبة ، عن سفيان ، عن خالد الحذاء ، وعاصم ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، مرفوعا : أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدهم في دين الله عمر ، الحديث .

        قال ، فلو صح إسناده ، لأخرج في الصحيح ، إنما روى خالد الحذاء ، عن أبي قلابة مرسلا .

        الثالث : أن يكون الحديث محفوظا عن صحابي ويروى عن غيره لاختلاف [ ص: 305 ] بلاد رواته ، كرواية المدنيين عن الكوفيين .

        كحديث موسى بن عقبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، مرفوعا : " إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة " .

        قال : هذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا ظن أنه من شرط الصحيح ، والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا ، وإنما الحديث محفوظ ، عن رواية أبي بردة ، عن الأغر المزني .

        الرابع : أن يكون محفوظا عن صحابي ، فيروى عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته ، بل ولا يكون معروفا من جهته .

        كحديث زهير بن محمد ، عن عثمان بن سليمان ، عن أبيه ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور .

        قال : أخرج العسكري ، وغيره هذا الحديث في الوحدان ، وهو معلول ، أبو عثمان لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا رآه ، وعثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، وإنما هو عثمان بن أبي سليمان .

        الخامس : أن يكون روي بالعنعنة ، وسقط منه رجل ، دل عليه طريق أخرى محفوظة .

        كحديث يونس ، عن ابن شهاب ، عن علي بن الحسين ، عن رجل من الأنصار ، أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فرمي بنجم فاستنار ، الحديث .

        قال : وعلته أن يونس مع جلالته قصر به ، وإنما هو عن ابن عباس ، حدثني رجال ، هكذا رواه ابن عيينة ، وشعيب ، وصالح ، والأوزاعي ، وغيرهم ، عن الزهري .

        [ ص: 306 ] السادس : أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره ، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد .

        كحديث علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قلت : يا رسول الله : " ما لك أفصحنا " الحديث .

        قال : وعلته ما أسند عن علي بن خشرم ، حدثنا علي بن الحسين بن واقد بلغني أن عمر ، فذكره .

        السابع : الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله .

        كحديث الزهري ، عن سفيان الثوري ، عن حجاج بن فرافضة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، مرفوعا : " المؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم " .

        قال : وعلته ما أسند عن محمد بن كثير ، حدثنا سفيان ، عن حجاج ، عن رجل ، عن أبي سلمة ، فذكره .

        الثامن : أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه ، ولكنه لم يسمع منه أحاديث معينة ، فإذا رواها عنه بلا واسطة ، فعلتها أنه لم يسمعها منه .

        كحديث يحيى بن أبي كثير ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر عند أهل بيت ، قال : " أفطر عندكم الصائمون " الحديث .

        قال : فيحيى رأى أنسا ، وظهر من غير وجه ، أنه لم يسمع منه هذا الحديث ، ثم أسند عن يحيى ، قال : حدثت عن أنس ، فذكره .

        التاسع : أن يكون طريقه معروفة ، يروي أحد رجالها حديثا من غير تلك الطريق ، [ ص: 307 ] فيقع من رواه من تلك الطريق - بناء على الجادة - في الوهم - .

        كحديث المنذر بن عبد الله الحزامي ، عن عبد العزيز بن الماجشون ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة ، قال : سبحانك اللهم ، الحديث .

        قال : أخذ فيه المنذر طريق الجادة ، وإنما هو من حديث عبد العزيز ، ثنا عبد الله بن الفضل ، عن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي .

        العاشر : أن يروى الحديث مرفوعا من وجه ، وموقوفا من وجه .

        كحديث أبي فروة يزيد بن محمد ، ثنا أبي ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، مرفوعا : " من ضحك في صلاته يعيد الصلاة ، ولا يعيد الوضوء " .

        قال : وعلته ما أسند وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان قال : سئل جابر ، فذكره .

        قال الحاكم : وبقيت أجناس لم نذكرها ، وإنما جعلنا هذه مثالا لأحاديث كثيرة .

        وما ذكره الحاكم من الأجناس يشمله القسمان المذكوران فيما تقدم ، وإنما ذكرناه تمرينا للطالب ، وإيضاحا لما تقدم .




        الخدمات العلمية