الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ غدو قريش على الأنصار في شأن البيعة ]

            ( قال ) : فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش ، حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا ، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم ، منكم . قال : فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء ، وما علمناه . قال : وقد صدقوا ، لم يعلموه . قال : وبعضنا ينظر إلى بعض . قال : ثم قام القوم ، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وعليه نعلان له جديدان قال فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا - : يا أبا جابر ، أما تستطيع أن تتخذ ، وأنت سيد من ساداتنا ، مثل نعلي هذا الفتى من قريش ؟ قال : فسمعها الحارث ، فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي ، وقال : والله لتنتعلنهما . قال : يقول : أبو جابر : مه ، أحفظت والله الفتى ، فاردد إليه نعليه . قال : قلت : والله لا أردهما ، فأل والله صالح ، لئن صدق الفأل لأسلبنه .

            قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر : أنهم أتوا عبد الله بن أبي بن سلول فقالوا له مثل ما قال كعب من القول ، فقال لهم : ( والله ) إن هذا الأمر جسيم ما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا ، وما علمته كان . قال : فانصرفوا عنه . [ خروج قريش في طلب الأنصار ]



            قال : ونفر الناس من كل منى ، فتنطس القوم الخبر ، فوجدوه قد كان ، وخرجوا في طلب القوم ، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ، وكلاهما كان نقيبا . فأما المنذر فأعجز القوم وأما سعد فأخذوه ، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ، ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير . [ خلاص ابن عبادة من أسر قريش ، وما قيل في ذلك من شعر ]

            قال سعد : فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش ، فيهم رجل وضيء أبيض ، شعشاع حلو من الرجال قال : فقلت في نفسي : إن يك عند أحد من القوم خير ، فعند هذا ، قال : فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة . قال : فقلت في نفسي : لا والله ما عندهم بعد هذا من خير . قال : فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم ، فقال ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟ قال : قلت : بلى ، والله ، لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة ، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي ، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف قال : ويحك فاهتف باسم الرجلين ، واذكر ما بينك وبينهما . قال : ففعلت ، وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما في المسجد عند الكعبة ، فقال لهما : إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما ، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا ؟ قالا : ومن هو ؟ قال سعد بن عبادة ؛ قالا : صدق والله إن كان ليجير لنا تجارنا ، ويمنعهم أن يظلموا ببلده . قال : فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم ، فانطلق . وكان الذي لكم سعدا ، سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي .

            قال ابن هشام : وكان الرجل الذي أوى إليه ، أبا البختري بن هشام

            قال ابن إسحاق : وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين ، قالهما ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ( فقال ) :

            :


            تداركت سعدا عنوة فأخذته وكان شفاء لو تداركت منذرا     ولو نلته طلت هناك جراحه
            وكانت حريا أن يهان ويهدرا

            قال ابن هشام : ويروى :


            وكان حقيقا أن يهان ويهدرا

            قال ابن إسحاق : فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال :

            :


            لست إلى سعد ولا المرء منذر     إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا
            فلولا أبو وهب لمرت قصائد     على شرف البرقاء يهوين حسرا
            أتفخر بالكتان لما لبسته     وقد تلبس الأنباط ريطا مقصرا
            فلا تك كالوسنان يحلم أنه     بقرية كسرى أو بقرية قيصرا
            ولا تك كالثكلى وكانت بمعزل     عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا
            ولا تك كالشاة التي كان حتفها     بجفر ذراعيها فلم ترض محفرا
            ولا تك كالعاوي فأقبل نحره     ولم يخشه ، سهما من النبل مضمرا
            فإنا ومن يهدي القصائد نحونا     كمستبضع تمرا إلى أرض خيبرا

            التالي السابق


            الخدمات العلمية