الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

            جاء إذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة بعد أن أكرم الله تعالى أهل يثرب بالبيعة لاسيما بيعة العقبة الثانية والتي فيها كان الميثاق الذي أخذ عليهم بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم وأموالهم.

            فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما اشتد الأمر على أصحابه: «قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها» .

            فجعل أصحابه رضوان الله عليهم يتجهزون للهجرة، وكان من أول من هاجر بأهله إليها أبو سلمة بن عبد الأسد وذلك قبل البيعة بسنة ثم لحقت به زوجته أم سلمة بعد أن منعها أهلها قرابة السنة، كما كان من أول المهاجرين إليها أيضا مصعب بن عمير رضي الله عنه، وعامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة، ثم عبد الله بن جحش وأخوه أحمد وعكاشة بن محصن وغيرهم كثير.

            كما هاجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه علانية ولم يستخف.

            وقد جاء في الهجرة العديد من المواقف التي تدل على شدة الأمر على المسلمين وشدة البلاء كما وقع لأم سلمة رضي لله عنها ولعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وصهيب بن سنان.

            وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يؤذن له من الله سبحانه بالهجرة وبقي معه من أصحابه أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وبعض من حبس وفتن منهم.

            وقد أكرم الله أبا بكر فجعله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته كما أكرم عليا فجعله خليفته في رد الأمانات إلى أهلها بمكة.

            هذا وقد اجتمعت قريش لتصد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهته، وتشاوروا فيما بينهم ودخل فيهم إبليس مشيرا في هيئة شيخ نجدي، وقد استقر رأيهم الذي مدحه إبليس على أن يخرجوا من كل قبيلة رجلا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم فيتفرق دمه في القبائل.

            إلا أن الله سبحانه نجى نبيه وجعل في نجاته آية لهم لو يعقلون، بأن خرج النبي صلى الله عليه وسلم ونثر على رؤسهم التراب وأغشاهم الله فهم لا يبصرون.

            وقد خلف النبي صلى الله عليه وسلم عليا في فراشه مموها على القوم وحتى يؤدي عنه أمانات أهل مكة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يخدمهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهما عبد الله بن أريقط، وناقل الخبر لهما عبد الله بن أبي بكر، والآتي بالطعام لهما أسماء بنت أبي بكر، وذلك وهما في غار ثور، وقد حاول المشركون أن يتوصلوا إليهما فآذوا أسماء بنت أبي بكر فصبرت.

            وقد غادر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غار ثور ومضيا في طريقهما ولحقهما سراقة بن مالك بن جعشم فمنعهما الله منه وطلب الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم فكتب له ذلك، وفي طريقهما حلا خيمة أم معبد الخزاعية، وقد ذكرت من بركته صلى الله عليه وسلم ووصفه ما سجله أصحاب السير في أجمل وأبهى وصف.

            وقد وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تصحبه السلامة مع صاحبه، وكان أول من رآه رجل من يهود فصرخ في أهل المدينة منبها بوصول النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليه أهل المدينة يستقبلونه وقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر على كلثوم بن الهدم، ثم في دار أبي أيوب الأنصاري بعد ذلك.

            هذا وقد لحق علي رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم بقباء بعد ثلاثة أيام.

            وبعد نزول النبي صلى الله عليه وسلم جاءه عبد الله بن سلام رضي الله عنه وهو وقتئذ من أحبار اليهود وكبرائهم فأسلم وكتم إسلامه وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود كيف هو فيهم؟

            وقد سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليه خيرا فلما علموا بإسلامه أساؤوا إليه وشتموه.

            وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزل المدينة مكث في بني عمرو بن عوف أياما وكان لكلثوم بن الهدم مربدا فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم واتخذه مسجدا وهو مسجد قباء الذي أسس على التقوى من أول يوم.

            وعند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان كل بيت من الأنصار حريص على نزول النبي صلى الله عليه وسلم فيه، كلهم يأخذ بزمام ناقته، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم بأنها مأمورة وطلب منهم تركها، وقد ظلت تسير حتى بركت بدار بني مالك بن النجار، وجاء أبو أيوب الأنصاري فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أخذ متاعه ورحله ووضعه في بيته، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم النزول حيث بيته أقرب البيوت فنزل النبي صلى الله عليه وسلم بداره.

            ولما استقر النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب بدأ ببناء مسجده صلى الله عليه وسلم، وبنى حجر أزواجه حول المسجد، وفي أثناء ذلك مات أسعد بن زرارة أحد النقباء رضي الله عنه.

            وبدأ تلاحق المهاجرين بعد ذلك من مكة، وجاء آل النبي صلى الله عليه وسلم وآل أبي بكر رضي الله عنه، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وكتب الموادعة بين المسلمين اليهود، وبعد قدومه شرع الأذان، وعلم أصحابه كيف يقومون به، كما وقع لبعض الصحابة الحمى فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فأبعدها الله عن المدينة إلى الجحفة، وولد للمسلمين أول مولود في المدينة عبد الله بن الزبير بن العوام فكان أول مولود في أول دولة للمسلمين مؤذنا بعصر جديد.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية