الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            روى البخاري عن عائشة ، وابن سعد عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن جماعة من الصحابة أن المسلمين بالمدينة لما سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفوا قدومه كانوا يخرجون إذا صلوا الصبح إلى ظاهر الحرة ينتظرونه حتى تغلبهم الشمس على الظلال ، ويؤذيهم حر الظهيرة . فإذا لم يجدوا ظلا دخلوا ، وذلك في أيام حارة حتى كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلوا البيوت فأوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه ، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين ، يلوح بهم السراب ، فلم يملك اليهودي نفسه فصرخ بأعلى صوته : «يا بني قيلة» ، وفي لفظ : يا معشر العرب ، «هذا جدكم» ، وفي لفظ : هذا صاحبكم الذي تنتظرون ، «قد جاء» . فثار المسلمون إلى السلاح ، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة وذلك يوم الاثنين لشهر ربيع الأول ، فخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ومعه أبو بكر في مثل سنه . وقام أبو بكر للناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا ، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله عند ذلك .

            وفي رواية : «فلما رأوا أبا بكر ينحاز له عن الظل عرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعدل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين حتى نزل بهم علو المدينة بقباء في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم بكسر الهاء وسكون الدال المهملة ، قيل : «وكان يومئذ مشركا ، وبه جزم محمد بن الحسن بن زبالة» ، وقيل : «إنما نزل على سعد بن خيثمة» . قال رزين : «والأول أصح» وقال الحاكم إنه الأرجح ، [قال] : «وقد قاله ابن شهاب وهو أعرف بذلك من غيره» وقال الدمياطي :

            «إنه أثبت» . وقال بعضهم «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل على كلثوم بن الهدم وكان يخرج للناس من منزله فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة لأنه كان عزبا لا أهل له هناك وكان منزل العزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين فمن هنالك يقال : نزل على سعد بن خيثمة .

            ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بالسنح- بسين مهملة مضمومة فنون ساكنة فحاء مهملة . ويقال : على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج» .

            وروى الزبير بن بكار عن عبد الله بن حارثة قال : «نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم ، فصاح كلثوم بغلام له فقال : يا نجيح . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنجحت يا أبا بكر»

            وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة بعد مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما- قال بعضهم : ثلاثة- حتى أدى للناس ودائعهم التي كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه ليردها ، ثم خرج فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء فنزل على كلثوم بن الهدم .

            وقال علي فيما رواه ابن إسحاق ورزين : «كنت نزلت بقباء وكانت امرأة مسلمة لا زوج لها ، فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه فاستربت شأنه ، فقلت لها : يا أمة الله ، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو ، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت : هذا سهل بن حنيف ، قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها . فقال : احتطبي بها ، فكان علي يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية