الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            روى أبو جعفر ابن جرير قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي : أنه بلغه عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عوف :

            الحمد لله ، أحمده وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه [وأومن به ولا أكفره ، وأعادي من يكفره ، ] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى والنور والموعظة ، على فترة من الرسل ، وقلة من العلم ، وضلالة من الناس ، وانقطاع عن الزمان ، ودنو من الساعة ، وقرب من الأجل ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط ، وضل ضلالا بعيدا ، وأوصيكم بتقوى الله ، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة ، وأن يأمره بتقوى الله ، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ، [ولا أفضل من ذلك نصيحة] ولا أفضل من ذلك ذكرا ، وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه ، عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية ، لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره ، وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم ، وما كان من سوى [ذلك] يود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه ، والله رءوف بالعباد . والذي صدق قوله ، وأنجز وعده ، لا خلف لذلك ، فإنه يقول: ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية ، فإنه من يتق الله يكفر عن سيئاته ، ويعظم له أجرا ، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما ، وإن تقوى الله [يوقي] مقته ، وعقوبته ، وسخطه ، ويبيض الوجوه ، ويرضي الرب ، ويرفع الدرجة .

            [خذوا] بحظكم ، ولا تفرطوا في جنب الله ، قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ، ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين . فأحسنوا كما أحسن الله إليكم ، وعادوا أعداءه ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة ، ولا قوة إلا بالله ، فأكثروا ذكر الله ، واعلموا أنه خير الدنيا وما فيها ، واعملوا لما بعد الموت ، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ، ذلك بأن الله يقضي الحق على الناس ولا يقضون ، ويملك من الناس ولا يملكون منه ، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
            قال ابن إسحاق : كانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : ( أما بعد أيها الناس ، فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالا وأفضلت عليك ، فما قدمت لنفسك فلينظرن يمينا وشمالا ، فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم ، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإن بها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية