الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            بناء مسجده الشريف في مدة مقامه بدار أبي أيوب رضي الله عنه

            وقد اختلف في مدة مقامه بها; فقال الواقدي : سبعة أشهر . وقال غيره : أقل من شهر . والله أعلم .

            قال البخاري : حدثنا إسحاق بن منصور ، أخبرنا عبد الصمد ، قال : سمعت أبي يحدث : حدثنا أبو التياح يزيد بن حميد الضبعي ، حدثنا أنس بن مالك ، قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، نزل في علو المدينة في حي يقال لهم : بنو عمرو بن عوف ، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار ، فجاءوا متقلدي سيوفهم . قال : وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته ، وأبو بكر ردفه ، وملأ بني النجار حوله ، حتى ألقى بفناء أبي أيوب . قال : فكان يصلي حيث أدركته الصلاة ، ويصلي في مرابض الغنم ، قال : ثم أمر ببناء المسجد ، فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا ، فقال : " يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم هذا " . فقالوا : لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل . قال : فكان فيه ما أقول لكم ، كانت فيه قبور المشركين ، وكانت فيه خرب ، وكان فيه نخل ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ، وبالخرب فسويت ، وبالنخل فقطع . قال : فصفوا النخل قبلة المسجد ، وجعلوا عضادتيه حجارة . قال : فجعلوا ينقلون ذلك الصخر ، وهم يرتجزون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقول :


            " اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره "

            وروى البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا الحسن بن حماد الضبي ، ثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، قال : لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ، أعانه عليه أصحابه ، وهو معهم يتناول اللبن ، حتى اغبر صدره فقال : " ابنوه عريشا كعريش موسى " . فقلت للحسن : ما عريش موسى ؟ قال : " إذا رفع يديه بلغ العريش " . يعني السقف . وهذا مرسل .

            وروى من حديث حماد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن يعلى بن شداد بن أوس ، عن عبادة ، أن الأنصار جمعوا مالا ، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، ابن هذا المسجد وزينه ، إلى متى نصلي تحت هذا الجريد ؟ فقال : " ما بي رغبة عن أخي موسى ، عريش كعريش موسى " . وهذا حديث غريب من هذا الوجه .

            وقال أبو داود : حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن فراس ، عن عطية العوفي ، عن ابن عمر ، أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل ، أعلاه مظلل بجريد النخل ، ثم إنها نخرت في خلافة أبي بكر ، فبناها بجذوع وبجريد النخل ، ثم إنها نخرت في خلافة عثمان ، فبناها بالآجر ، فما زالت ثابتة حتى الآن وهذا غريب .

            وقد قال أبو داود أيضا : حدثنا مجاهد بن موسى ، حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثني أبي ، عن صالح ، ثنا نافع ، عن ابن عمر ، أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن ، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النخل ، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا ، وزاد فيه عمر ، وبناه على بنائه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا ، وغيره عثمان رضي الله عنه ، وزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة ، وسقفه بالساج . وهكذا رواه البخاري عن علي بن المديني ، عن يعقوب بن إبراهيم به .

            قلت : زاده عثمان بن عفان رضي الله عنه متأولا قوله صلى الله عليه وسلم : " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة " . ووافقه الصحابة الموجودون على ذلك ، ولم يغيروه بعده ، فيستدل بذلك على الراجح من قولي العلماء أن حكم الزيادة حكم المزيد ، فتدخل الزيادة في حكم سائر المسجد من تضعيف الصلاة فيه ، وشد الرحال إليه ، وقد زيد في زمان الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق ، زاده له بأمره عمر بن عبد العزيز حين كان نائبه على المدينة ، وأدخل الحجرة النبوية فيه. [ ارتجاز علي بن أبي طالب في بناء المسجد ]

            وارتجز علي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ :

            :


            لا يستوي من يعمر المساجدا     يدأب فيه قائما وقاعدا
            ومن يرى عن الغبار حائدا

            قال ابن هشام : سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر ، عن هذا الرجز ، فقالوا : بلغنا أن علي بن أبي طالب ارتجز به ، فلا يدرى : أهو قائله أم غيره .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية