الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        959 [ ص: 320 ] ( 81 ) باب جامع الحج

                                                                                                                        915 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس بمنى . والناس يسألونه فجاءه رجل فقال له : يا رسول الله . لم أشعر ، فحلقت قبل أن أنحر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انحر ، ولا حرج " ثم جاءه آخر فقال : " يا رسول الله . لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي ، قال " ارم ، ولا حرج " قال : فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء ، قدم ولا أخر ، إلا قال : " افعل ولا حرج " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        19024 - قال أبو عمر : ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه في حجته رمى الجمرة يوم [ ص: 321 ] النحر ، ثم نحر بدنه ، ثم حلق رأسه .

                                                                                                                        19025 - وأجمع العلماء أن هذه سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ، ثم ينحر هديا - إن كان معه - ثم يحلق رأسه ، فمن شاء قدم شيئا من ذلك عن رتبته ، فللعلماء في ذلك ما أصفه إن شاء الله .

                                                                                                                        19026 - قال مالك : من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة ، فعليه الفدية .

                                                                                                                        19027 - قال أبو عمر : لأنه حرام عليه أن يمس من شعره شيء ، أو يلبس أو يمس طيبا حتى يرمي جمرة العقبة .

                                                                                                                        19028 - وقد حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من حلق رأسه قبل محله من ضرورة بالفدية ، فكيف من غير ضرورة ؟ .

                                                                                                                        19029 - وقال ابن القاسم : وقال مالك : من حلق قبل أن يذبح ، فلا شيء [ ص: 322 ] عليه ، قال : وكذلك إن ذبح قبل أن يرمي ، يجزئه ، ولا شيء عليه ؛ لأن الهدي قد بلغ محله ، وذلك يوم النحر ، كما لو نحر المعتمر بمكة هديا ساقه قبل أن يطوف بعمرته .

                                                                                                                        19030 - وقال ابن عبد الحكم ، عن مالك : فيمن طاف طواف الإفاضة ، قبل أن يرمي الجمرة يوم النحر ، أنه يرمي ، ثم يحلق رأسه ، ثم يعيد الطواف .

                                                                                                                        19031 - قال : ومن رمى ، ثم طاف قبل الحلاق ، حلق رأسه ، وأعاد الطواف .

                                                                                                                        19032 - قال أبو عمر : روي عن إبراهيم ، وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي .

                                                                                                                        19033 - وهو قول الكوفيين .

                                                                                                                        19034 - وقال الشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وداود ، والطبري : لا شيء على من حلق قبل أن يرمي ، ولا على من قدم شيئا ، أو أخره من رمي ، أو نحر ، أو حلاق ، أو طواف ، ساهيا - مما يفعل يوم النحر .

                                                                                                                        19035 - وحجتهم حديث عبد الله بن عمر ، المذكور في أول هذا الباب ، [ ص: 323 ] قوله : فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : " افعل ، ولا حرج " .

                                                                                                                        19036 - وحديث عطاء ، عن ابن عباس ، أن النبي - عليه السلام - سئل يوم النحر ، عن رجل حلق قبل أن يذبح ، أو ذبح قبل أن يرمي ، أو أشباه هذا ، فأكثروا في التقديم والتأخير ، فما سئل عن شيء من هذا إلا قال : " لا حرج لا حرج " .

                                                                                                                        19037 - وقال عطاء : من قدم نسكا عن نسك ، فلا حرج .

                                                                                                                        19038 - وروي ذلك عن سعيد بن جبير ، وطاوس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة .

                                                                                                                        19039 - وأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يذبح ، فجمهور العلماء على أن لا شيء عليه .

                                                                                                                        [ ص: 324 ] 19040 - كذلك قال عطاء ، وطاوس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة .

                                                                                                                        19041 - وهو قول مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وداود ، وإسحاق ، والطبري .

                                                                                                                        19042 - وقال النخعي : من حلق قبل أن ينحر أهراق دما .

                                                                                                                        19043 - وبه قال أبو حنيفة ، قال : وإن كان قارنا ، فعليه دمان ، دم للقرن ، ودم للحلاق .

                                                                                                                        19044 - وقال زفر : عليه ثلاثة دماء للقران ودمان للحلاق قبل النحر .

                                                                                                                        19045 - وقال جابر بن زيد : من حلق قبل أن ينحر ، عليه الفدية .

                                                                                                                        19064 - قال أبو عمر : لا أعلم خلافا فيمن نحر قبل أن يرمي ، أنه لا شيء عليه وذلك - والله أعلم - لأن الهدي قد بلغ محله ، ولأنه منصوص عليه في الحديث ، نحرت قبل أن أرمي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ارم ، ولا حرج " .

                                                                                                                        19047 - قال أبو عمر : روى ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو حديث هذا الباب ، فلم يقل فيه : لم أشعر .

                                                                                                                        19048 - وقد ذكره مالك ، وهي لفظة فيها من الفقه أن الرجل فعل ذلك [ ص: 325 ] ساهيا ، فقيل له : " لا حرج " .

                                                                                                                        19049 - وقد جاء معمر بمعنى هذه اللفظة في معنى هذا الحديث فقال فيه بإسناده ، عن عبد الله بن عمرو قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - واقفا على راحلته بمنى ، فأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إني كنت أرى أن الذبح قبل الرمي ، فذبحت قال : " ارم ولا حرج " . فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل شيء ، إلا قال : " افعل ، ولا حرج " .

                                                                                                                        19050 - قال أبو عمر : ولا أعلم لأهل العلم جوابا في المعتمد في ذلك ، ولو كان مخالفا للجاهل والساهي ، لفرقوا بينه في أجوبتهم ، وفي كتبهم ، والله أعلم .

                                                                                                                        19051 - إلا أن ابن عباس روي عنه أنه قال : من قدم من نسكه شيئا ، أو أخره ، فليهرق لذلك دما . ولم يفرق بين ساه ولا عامد ، وليست الرواية عنه بذلك بالقوية .

                                                                                                                        19052 - وعن سعيد بن جبير ، وقتادة ، مثل ذلك .

                                                                                                                        19053 - وقد ذكرنا مذهبهم فيمن قدم الإفاضة قبل الرمي والحلق ، أنه تلزمه إعادة الطواف .

                                                                                                                        19054 - وقال الشافعي ومن تابعه : لا إعادة عليه في الطواف .

                                                                                                                        [ ص: 326 ] 19055 - وقال الأوزاعي : إنما طاف للإفاضة قبل أن يرمي حجرة العقبة ، ثم واقع أهله ، أهراق دما .

                                                                                                                        19056 - وقد ذكرنا هذه المسألة ، وما كان مثلها في موضعها من كتابنا هذا ، والحمد لله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية