nindex.php?page=treesubj&link=28658والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له .
ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ، ويبين أنه لا خالق إلا الله ، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله ، فيجعل الأول دليلا على الثاني ، إذ كانوا يسلمون الأول ، وينازعون في الثاني ، فيبين لهم سبحانه أنكم إذا كنتم تعلمون أنه لا خالق إلا الله ، وأنه هو الذي يأتي العباد بما ينفعهم ، ويدفع عنهم ما يضرهم ، لا شريك له في ذلك ، فلم تعبدون غيره ، وتجعلون معه آلهة أخرى ؟ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون الآيات ( النمل : 59 - 60 ) .
[ ص: 37 ] يقول الله تعالى في آخر كل آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أإله مع الله أي أءله مع الله فعل هذا ؟ وهذا استفهام إنكار ، يتضمن نفي ذلك ، وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله ، فاحتج عليهم بذلك ، وليس المعنى استفهام : هل مع الله إله ؟ كما ظنه بعضهم ، لأن هذا المعنى لا يناسب سياق الكلام ، والقوم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى كما قال تعالى .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد ( الأنعام : 19 ) ، وكانوا يقولون :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ( ص : 5 ) . لكنهم ما كانوا يقولون : إن معه إلها جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا . بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا ، وهكذا سائر الآيات .
وكذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون . وكذلك قوله في سورة الأنعام : ( البقرة : 21 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به ( الأنعام : 46 ) . وأمثال ذلك .
واذا كان توحيد الربوبية ، الذي يجعله هؤلاء النظار ، ومن وافقهم من
الصوفية هو الغاية في التوحيد : داخلا في التوحيد الذي جاءت به الرسل عليهم السلام ، ونزلت به الكتب ، فليعلم أن دلائله متعددة ،
[ ص: 38 ] كدلائل إثبات الصانع ودلائل صدق الرسول ، فإن العلم كلما كان الناس إليه أحوج كانت أدلته أظهر ، رحمة من الله بخلقه .
nindex.php?page=treesubj&link=28658وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ تَقْرِيرِ هَذَا التَّوْحِيدِ وَبَيَانِهِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ لَهُ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَرِّرُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا اللَّهُ ، فَيَجْعَلُ الْأَوَّلَ دَلِيلًا عَلَى الثَّانِي ، إِذْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ الْأَوَّلَ ، وَيُنَازِعُونَ فِي الثَّانِي ، فَيُبَيِّنُ لَهُمْ سُبْحَانَهُ أَنَّكُمْ إِذَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْعِبَادَ بِمَا يَنْفَعُهُمْ ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَلِمَ تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ ، وَتَجْعَلُونَ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ الْآيَاتِ ( النَّمْلِ : 59 - 60 ) .
[ ص: 37 ] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ كُلِّ آيَةٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ أَيْ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ فَعَلَ هَذَا ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ ، يَتَضَمَّنُ نَفْيَ ذَلِكَ ، وَهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى اسْتِفْهَامَ : هَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ ؟ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ ، لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَاسِبُ سِيَاقَ الْكَلَامِ ، وَالْقَوْمُ كَانُوا يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ ( الْأَنْعَامِ : 19 ) ، وَكَانُوا يَقُولُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( ص : 5 ) . لَكِنَّهُمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَ : إَنَّ مَعَهُ إِلَهًا جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرِينِ حَاجِزًا . بَلْ هُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ فَعَلَ هَذَا ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْآيَاتِ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : ( الْبَقَرَةِ : 21 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ( الْأَنْعَامِ : 46 ) . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ .
وَاذَا كَانَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ ، الَّذِي يَجْعَلُهُ هَؤُلَاءِ النُّظَّارُ ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ
الصُّوفِيَّةِ هُوَ الْغَايَةَ فِي التَّوْحِيدِ : دَاخِلًا فِي التَّوْحِيدِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ ، فَلْيُعْلَمْ أَنَّ دَلَائِلَهُ مُتَعَدِّدَةٌ ،
[ ص: 38 ] كَدَلَائِلِ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَدَلَائِلِ صِدْقِ الرَّسُولِ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ كُلَّمَا كَانَ النَّاسُ إِلَيْهِ أَحْوَجَ كَانَتْ أَدِلَّتُهُ أَظْهَرُ ، رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ بِخَلْقِهِ .