الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [10 ] في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون

                                                                                                                                                                                                                                      المرض : السقم ، وهو نقيض الصحة ، بسبب ما يعرض للبدن ، فيخرجه عن الاعتدال اللائق به ، ويوجب الخلل في أفاعيله ، استعير هاهنا لعدم صحة يقينهم ، وضعف دينهم - وكذا توصف قلوب المؤمنين بالسلامة التي هي صحة اليقين ، وعدم ضعفه ، كما قال تعالى : إلا من أتى الله بقلب سليم أي : غير مريض بما ذكرنا - أو استعير لشكهم ، لأن الشك تردد بين الأمرين ، والمنافق متردد ، كما في الحديث « مثل المنافق كمثل الشاة [ ص: 46 ] العائرة بين الغنمين » والمريض متردد بين الحياة والموت .

                                                                                                                                                                                                                                      " فزادهم الله مرضا" بأن طبع على قلوبهم ، لعلمه تعالى بأنه لا يؤثر فيها التذكير والإنذار .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال القاشاني : أي : مرضا آخر - حقدا وحسدا وغلا - بإعلاء كلمة الدين ، ونصرة الرسول والمؤمنين - ثم قال : والرذائل كلها أمراض القلوب ، لأنها أسباب ضعفها وآفتها في أفعالها الخاصة ، وهلاكها في العاقبة .

                                                                                                                                                                                                                                      " ولهم عذاب أليم" أي : مؤلم - بكسر اللام - فعيل بمعنى فاعل - كسميع وبصير -

                                                                                                                                                                                                                                      قال في المحكم : الأليم من العذاب الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ . ومنه يعلم وجه إيثاره في عذاب المنافقين -على "العظم" المتقدم في وصف عذاب الكافرين- ويؤيده : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا

                                                                                                                                                                                                                                      "بما كانوا يكذبون" الباء للسببية أو للمقابلة -أي : بسبب كذبهم أو بمقابلته- وهو قولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر، وهم غير مؤمنين . وفيه رمز إلى قبح الكذب ، وسماجته ، وتخييل أن العذاب الأليم لاحق بهم من أجل كذبهم- مع إحاطة علم السامع بأن لحوق العذاب بهم من جهات شتى- ونحوه قوله تعالى : مما خطيئاتهم أغرقوا - والقوم كفرة - وإنما خصت الخطيئات استعظاما لها ، وتنفيرا عن ارتكابها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية