الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      18- وقوله: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) فأذهب الواو لأنه كان حرفا ساكنا لقي اللام وهي ساكنة فذهبت لسكونه، ولم تحتج إلى حركته؛ لأن فيما بقي دليلا على الجمع. وكذلك كل واو كان ما قبلها مضموما من هذا النحو. فإذا كان ما قبلها مفتوحا لم يكن بد من حركة الواو؛ لأنك لو ألقيتها لم تستدل على المعنى نحو : (اشتروا الضلالة) .

                                                                                                                                                                                                                      وحركت الواو بالضم؛ لأنك لو قلت "اشترا الضلالة" فألقيت

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 51 ] الواو لم تعرف أنه جمع، وإنما حركتها بالضم؛ لأن الحرف الذي ذهب من الكلمة مضموم؛ فصار يقوم مقامه. وقد قرأ قوم، وهي لغة لبعض العرب : (اشتروا الضلالة) لما وجدوا حرفا ساكنا قد لقي ساكنا كسروا كما يكسرون في غير هذا الموضع، وهي لغة شاذة.

                                                                                                                                                                                                                      وأما قوله: (وإذا خلوا إلى شياطينهم) فإنك تقول: "خلوت إلى فلان في حاجة"؛ كما تقول: "خلوت بفلان" إلا أن "خلوت بفلان" له معنيان: أحدهما هذا، والآخر سخرت به.

                                                                                                                                                                                                                      وتكون "إلى" في موضع "مع" نحو : (من أنصاري إلى الله) كما كانت "من" في معنى (على) في قوله: (ونصرناه من القوم) أي: على القوم، كما كانت الباء في معنى "على" في قوله: "مررت به" و "مررت عليه". وفي كتاب الله عز وجل : (من إن تأمنه بدينار) يقول: "على دينار". وكما كانت "في" في معنى "على" نحو : (في جذوع النخل) يقول: "على جذوع النخل". وزعم يونس أن العرب تقول: "نزلت في أبيك"، تريد "عليه"، وتقول: "ظفرت عليه" أي "به" و "رضيت عليه" أي: "عنه" قال الشاعر [ القحيف العقيلي ] :


                                                                                                                                                                                                                      (24) إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 52 ] وأما قوله: (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) فهو في معنى "ويمد لهم" كما قالت العرب: "الغلام يلعب الكعاب" تريد: "يلعب بالكعاب"؛ وذلك أنهم يقولون: "قد مددت له" و "أمددته" في غير هذا المعنى وهو قوله جل ثناؤه : (وأمددناهم بفاكهة) وقال: (ولو جئنا بمثله مددا) . وقال بعضهم: "مدادا ومدا" من "أمددناهم"، وتقول: "مد النهر فهو ماد" و "أمد الجرح فهو ممد". وقال يونس : "ما كان من الشر فهو "مددت"، وما كان من الخير فهو "أمددت" كما فسرت لك. فإذا أردت أنك تركته قلت: "مددت" وإذا أردت أنك أعطيته قلت: "أمددته".

                                                                                                                                                                                                                      ***

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية