الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه إلى سيف البحر من ناحية العيص في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة في ثلاثين رجلا من المهاجرين والأنصار

            قال ابن سعد : «والمجمع عليه أنهم كانوا جميعا من المهاجرين ، ولم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من الأنصار مبعثا حتى غزا بهم بدرا ، وذلك أنهم كانوا شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم . وهذا الثبت عندنا» . وصححه في الموارد . وعقد له لواء أبيض حمله أبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي ، حليف حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما ، فخرج حمزة رضي الله تعالى عنه بمن معه يعترض عير قريش التي جاءت من الشام تريد مكة ، وفيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل ، وقيل : في مائة وثلاثين ، فبلغ سيف البحر ناحية العيص من أرض جهينة . فلما تصافوا حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني ، وكان حليفا للفريقين جميعا ، فأطاعوه وانصرفوا ولم يقتتلوا؛ فتوجه أبو جهل في أصحابه وعيره إلى مكة ، وانصرف حمزة وأصحابه رضي الله تعالى عنهم إلى المدينة .

            ولما عاد حمزة بمن معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بما حجز بينهم مجدي بن عمرو وأنهم رأوا منه نصفة . وقدم رهط مجدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساهم ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما ذكره محمد بن عمر عن مجدي أيضا : «[إنه- ما] علمت- ميمون النقيبة مبارك الأمر» أو قال : «رشيد الأمر» . [ كانت راية حمزة أول راية في الإسلام وشعر حمزة في ذلك ]

            وبعض الناس يقول : كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله لأحد من المسلمين . وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا ، فشبه ذلك على الناس . وقد زعموا أن حمزة قد قال في ذلك شعرا يذكر فيه أن رايته أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان حمزة قد قال ذلك ، فقد صدق إن شاء الله ، لم يكن يقول إلا حقا ، فالله أعلم أي ذلك كان .

            فأما ما سمعنا من أهل العلم عندنا . فعبيدة بن الحارث أول من عقد له .

            فقال حمزة في ذلك ، فيما يزعمون : قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لحمزة رضي الله عنه :

            :


            ألا يا لقومي للتحلم والجهل وللنقص من رأي الرجال وللعقل     وللراكبينا بالمظالم لم نطأ
            لهم حرمات من سوام ولا أهل     كأنا تبلناهم ولا تبل عندنا
            لهم غير أمر بالعفاف وبالعدل     وأمر بإسلام فلا يقبلونه
            وينزل منهم مثل منزلة الهزل     فما برحوا حتى انتدبت لغارة
            لهم حيث حلوا ابتغى راحة الفضل     بأمر رسول الله ، أول خافق
            عليه لواء لم يكن لاح من قبلي     لواء لديه النصر من ذي كرامة
            إله عزيز فعله أفضل الفعل     عشية ساروا حاشدين وكلنا
            مراجله من غيظ أصحابه تغلي     فلما تراءينا أناخوا فعقلوا
            مطايا وعقلنا مدى غرض النبل     فقلنا لهم : حبل الإله نصيرنا
            وما لكم إلا الضلالة من حبل     فثار أبو جهل هنالك باغيا
            فخاب ورد الله كيد أبي جهل     وما نحن إلا في ثلاثين راكبا
            وهم مائتان بعد واحدة فضل     فيا للؤى لا تطيعوا غواتكم
            وفيئوا إلى الإسلام والمنهج السهل     فإني أخاف أن يصب عليكم
            عذاب فتدعوا بالندامة والثكل

            [ شعر أبي جهل في الرد على حمزة ]

            فأجابه أبو جهل بن هشام ، فقال :


            عجبت لأسباب الحفيظة والجهل     وللشاغبين بالخلاف وبالبطل
            وللتاركين ما وجدنا جدودنا     عليه ذوي الأحساب والسؤدد الجزل
            أتونا بإفك كي يضلوا عقولنا     وليس مضلا إفكهم عقل ذي عقل
            فقلنا لهم : يا قومنا لا تخالفوا     على قومكم إن الخلاف مدى الجهل
            فإنكم إن تفعلوا تدع نسوة     لهن بواك بالرزية والثكل
            وإن ترجعوا عما فعلتم فإننا     بنو عمكم أهل الحفائظ والفضل
            فقالوا لنا : إنا وجدنا محمدا     رضا لذوي الأحلام منا وذي العقل
            فلما أبوا إلا الخلاف وزينوا     جماع الأمور بالقبيح من الفعل
            تيممتهم بالساحلين بغارة     لأتركهم كالعصف ليس بذي أصل
            فوزعني مجدي عنهم وصحبتي     وقد وازروني بالسيوف وبالنبل
            لإل علينا واجب لا نضيعه     أمين قواه غير منتكث الحبل
            فلولا ابن عمرو كنت غادرت منهم     ملاحم للطير العكوف بلا تبل
            ولكنه آلى بإل فقلصت     بأيماننا حد السيوف عن القتل
            فإن تبقني الأيام أرجع عليهم     ببيض رقاق الحد محدثة الصقل
            بأيدي حماة من لؤي بن غالب     كرام المساعي في الجدوبة والمحل

            قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لأبي جهل .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية