الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن لبى بأحدهما فنسيه ، فهو قارن " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : هذا كما قال : إذا أحرم بأحد نسكين ، ثم نسيه فلم يدر بعمرة كان إحرامه أم بحج ؟ فالصحيح في مذهبه والمشهور من قوله ، وما نص عليه في أكثر كتبه أنه يكون قارنا ، ولا يجوز له التحري . وقال في القديم في باب وجه الإهلال ومن لبى ينوي شيئا ، فنسي ما نوى ، فأحب إلي أن يقرن : لأن القران باق على ما نوى ، وإن تحرى رجوت أن يجزئه إن شاء الله ، فاستحب له أن يقرن ، وجوز له أن يتحرى فخرجه أصحابنا على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم : يجوز أن يتحرى فيهما ويجتهد ، كما يجوز أن يتحرى في الإنائين ، ويجتهد في القبلة عند اشتباه الجهتين ، وفي الصوم عند اشتباه الزمانين .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن يكون قارنا ، ولا يجوز أن يتحرى ، لأن التحري إنما يجوز عند اشتباه ما ليس من فعله ، كالإنائين والجهتين ، فأما عند الاشتباه في فعله فالتحري غير جائز فيه ، وإنما يرجع فيه إلى العلم ويبني فيه على اليقين كما لو اشتبه عليه أداء صلاة وأعداد ركعات عمل فيه على اليقين ، ولم يجز الاجتهاد ، فكذا الإحرام ، لما كان من فعله وجب أن يعمل فيه على اليقين ، فينوي القران ولا يسوغ له الاجتهاد : لأن الاجتهاد والتحري إنما يجوز فيما عليه دلالة تدل على صحته ، كجهات القبلة والأواني : لأن على القبلة دلائل ، وعلى تنجيس الأواني دلائل يمكن الرجوع إليها ، والاستدلال بها ، فجاز الاجتهاد فيها ، وليس على النسك الذي أحرم به دلالة ، يعمل عليها ، ولا أمارة يرجع إليها فلم يجز له الاجتهاد ، ولزمه الأخذ باليقين ، وأما إذا شك ، هل كان قارنا أو مفردا أو معتمرا : فقد اختلف أصحابنا ، فعلى قول البصريين : يكون قارنا ولا يجوز له التحري ، قولا واحدا ، وعلى قول البغداديين : يكون على قولين كما مضى ، وكلام الشافعي في القديم محتمل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية