الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 144 ]

                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في الاستئذان والسلام والمصافحة والمعانقة والتقبيل- زاده الله شرفا وفضلا لديه

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في آدابه في الاستئذان

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في أنه لم يكن يستقبل الباب بوجهه :

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب عن عبد الله بن بسر المازني رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم يمشي مع الجدار ، ولم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : «السلام عليكم» ، فإن أذن له وإلا انصرف ، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في تعليمه من لا يحسن الاستئذان ، وكراهته قول المستأذن أنا فقط .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن حراش قال : جاء رجل من بني عامر فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في البيت فقال : أألج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه : «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان ، فقل له : قل السلام عليكم أأدخل ؟ » فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر دين كان على أبي ، فدفعت الباب فقال : «من ذا ؟ » فقلت : أنا ، فخرج وهو يقول : «أنا أنا» كأنه يكرهه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي- وحسنه- والنسائي عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبن وجذابة وضعابيس ، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي ، قال : فدخلت ولم أستأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ارجع فقل السلام عليكم أأدخل ؟ » .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في إرادته صلى الله عليه وسلم فقأ عين من اطلع من خصاصة الباب من غير استئذان .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري في الأدب عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن أعرابيا أتى بيت [ ص: 145 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتح من خصاصة الباب ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما أو عودا محددا فتوخى الأعرابي ليفقأ عين الأعرابي ، فذهب فقال : «أما إنك لو ثبت لفقأت عينك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في الأدب عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رجلا اطلع من جحر في باب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك» ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في كيفية استئذانه .

                                                                                                                                                                                                                              روي عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما قال : زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ، فرد سعد ردا خفيا قال : فقلت : ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ذره يكثر علينا من السلام ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قضينا ما علينا» .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في رجوعه إذا استأذن ثلاثا فلم يؤذن له .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أم طارق مولاة سعد رضي الله تعالى عنه قالت : جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فاستأذن فسكت سعد ، ثم أعاد فسكت سعد ، ثم أعاد فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فأرسلني سعد إليه وقال إنه لم يمنعنا أن نأذن لك إلا أردنا أن تزيد الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في قوله صلى الله عليه وسلم لبيك لمن استأذن عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، كل ذلك يرد عليه : «لبيك لبيك» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية