الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 244 ] فصل في المجتهد من القدماء ومن الذي حاز الرتبة منهم ذكره إلكيا وهو فصل عظيم النفع ، فإن مذاهبهم نقلت إلينا ، ولا بد من معرفة المجتهد منهم ، ليعلم من الذي تعتبر فتواه ، ومن يقدح الإجماع مخالفته ومن لا يقدح - قال : اعلم أن الخلفاء الراشدين الأربعة لا شك في حيازتهم هذه الرتبة - وألحق بهم أهل الشورى الذين جعلهم عمر رضي الله عنهم - قال : وأما أبو هريرة فقد مال الأكثرون إلى إخراجه عن أحزاب المجتهدين ، لأنه لم ينقل عنه التصدي للفتوى ، وإنما كان يتصدى للرواية - وتوقف في ابن عمر رضي الله عنهما ، إذ لم ينقل عنه التصدي للفتوى - وأما ابن مسعود فكان فقيه الصحابة ومنتدبا للفتوى - وكذلك ابن عباس - وزيد بن ثابت ممن شهد الرسول بأنه أفرض الأئمة ، والمعتبر تصديه لهذا المعنى من غير نكير ، أو شهادة الرسول ، ومراجعة الأولين له وبعد النزول عن هذه الطبقة العالية ، للشافعي وقفة في الحسن وابن سيرين ، ويقول فيهما : واعظ ومعبر ولم يرهما متصديين لهذا الشأن والظاهر أنهما من المجتهدين ، فإنهما كانا يفتيان على ما قاله السلف وقال ابن برهان : أما الصحابة فلا شك أن الفقهاء المشهورين منهم [ ص: 245 ] من أهل الاجتهاد ، وأساميهم معلومة في التواريخ ولا شك في كون العشرة من أهل الاجتهاد ، وكذلك من انتشرت فتاويه ، كابن مسعود وعائشة وغيرهم ، فإنهم كثرت فتاويهم ونقل عن الحنفية أنهم قالوا : أبو هريرة وابن عمر وأنس وجابر ليسوا فقهاء ، وإنما هم رواة أحاديث وهو باطل ، فإن ابن عمر أفتى في زمن الصحابة وتأهل للإمامة فزهد فيها وأبو هريرة ولي القضاء ، وأنس وجابر أفتيا في زمن الصحابة وأما التابعون فقد اشتهر المجتهدون فيهم ، كسعيد بن المسيب والأوزاعي والنخعي والشعبي ، وقد نقل عن الشافعي ، وقد نقل أنه قال في الحسن وابن سيرين : واعظ ومعبر ، ظن قوم أنه أراد أنهما ليسا من أهل الاجتهاد وهذا باطل فإن الحسن أفتى في زمن الصحابة ، وابن سيرين كذلك وقد شهد لهما أهل عصرهما بالجلالة والإمامة وأما الفقهاء السبعة فأهل للاجتهاد ولا محالة وكذلك الفقهاء الخمسة أرباب المذاهب وقد اختلف أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة في المزني وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن سريج ، فمنهم من ألحق هؤلاء برتبة المجتهدين في الدين ، ومنهم من جعلهم من المجتهدين في المذاهب قلت : وما ذكره إلكيا في أبي هريرة تابع فيه القاضي ، فإنه قال : إنه لم يكن مفتيا وإنما كان من الرواة والصواب ما قاله ابن برهان وقد ذكره ابن حزم في الفقهاء من الصحابة وقال عبد العزيز الحنفي في التحقيق " : كان أبو هريرة فقيها ، ولم يعدم شيئا من أسباب الاجتهاد ، وقد كان يفتي في زمن الصحابة ، وما كان يفتي في ذلك الزمان إلا فقيه مجتهد وقد جمع الشيخ أبو الحسن السبكي جزءا في فتاوى أبي هريرة قال في المنخول " : والضابط عندنا فيه أن كل من علمنا قطعا أنه [ ص: 246 ] تصدى للفتوى في أعصار الصحابة ولم يمنع عنه فهو من المجتهدين ومن لم يتصد له قطعا فلا ومن ترددنا في ذلك فيه ترددنا في صفته وقد انقسمت الصحابة إلى متنسكين لا يعتنون بالعلم ، وإلى معتنين به فهم المجتهدون ، ولا مطمع في عد آحادهم بعد ذكر الضابط وهو الضابط أيضا في التابعين ، وعد ابن حزم في الأحكام فقهاء الصحابة فبلغ بهم مائة ونيفا وهذا حيف وقد قال الشيخ أبو إسحاق في طبقاته " أكثر الصحابة الملازمين للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا فقهاء ، لأن طريق الفقه فيهم خطاب الله ورسوله وأفعاله ، وكانوا عارفين بذلك ، لنزول القرآن بلغتهم ولهذا قال أبو عبيد في كتاب المجاز " : لم ينقل أن أحدا من الصحابة رجع في تفسير شيء من القرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال : { أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم } غير أن الذي اشتهر منهم بالفتاوى والأحكام جماعة مخصوصة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية