الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 256 ] القول في تأويل قوله ( ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى قوله : " ثم قضى أجلا " ثم قضى لكم - أيها الناس - " أجلا " . وذلك ما بين أن يخلق إلى أن يموت " وأجل مسمى عنده " وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث .

ذكر من قال ذلك :

13054 - حدثنا ابن وكيع وهناد بن السري قالا حدثنا وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن في قوله : " قضى أجلا " قال : ما بين أن يخلق إلى أن يموت " وأجل مسمى عنده " قال : ما بين أن يموت إلى أن يبعث .

13055 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " كان يقول : أجل حياتك إلى أن تموت ، وأجل موتك إلى أن تبعث . فأنت بين أجلين من الله - تعالى ذكره - .

13056 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم : " قضى أجلا وأجل مسمى عنده " قال : قضى أجل الموت ، وكل نفس أجلها الموت . قال : ولن يؤخر الله نفسا [ ص: 257 ] إذا جاء أجلها " وأجل مسمى عنده " يعني : أجل الساعة ، ذهاب الدنيا ، والإفضاء إلى الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم قضى الدنيا ، وعنده الآخرة .

ذكر من قال ذلك :

13057 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : " أجلا " قال : الدنيا " وأجل مسمى عنده " الآخرة .

13058 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو عاصم ، عن زكريا بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قضى أجلا " قال : الآخرة عنده " وأجل مسمى " الدنيا .

13059 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " أجلا " قال : الآخرة عنده " وأجل مسمى " قال : الدنيا .

13060 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " أجلا " قال : الآخرة عنده " وأجل مسمى " قال : الدنيا .

13061 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن : " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " قالا قضى أجل الدنيا ، من حين خلقك إلى أن تموت " وأجل مسمى عنده " يوم القيامة .

13062 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، [ ص: 258 ] عن مجاهد وعكرمة : " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " قال : قضى أجل الدنيا " وأجل مسمى عنده " قال : هو أجل البعث .

13063 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : " ثم قضى أجلا " قال : الموت " وأجل مسمى عنده " الآخرة .

13064 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن في قوله : " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " قالا قضى أجل الدنيا ، منذ يوم خلقت إلى أن تموت " وأجل مسمى عنده " يوم القيامة .

13065 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : " قضى أجلا " قال : أجل الدنيا " وأجل مسمى عنده " قال : البعث .

13066 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " يعني : أجل الموت " والأجل المسمى " أجل الساعة والوقوف عند الله .

13067 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قضى أجلا " قال : أما " قضى أجلا " فأجل الموت " وأجل مسمى عنده " يوم القيامة .

وقال آخرون في ذلك بما : -

13068 - حدثني به محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " [ ص: 259 ] قال : أما قوله : " قضى أجلا " فهو النوم ، تقبض فيه الروح ، ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة " وأجل مسمى عنده " هو أجل موت الإنسان .

وقال آخرون بما : -

13069 - حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب في قوله : " هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون " قال : خلق آدم من طين ، ثم خلقنا من آدم ، أخذنا من ظهره ، ثم أخذ الأجل والميثاق في أجل واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : معناه : ثم قضى أجل الحياة الدنيا " وأجل مسمى عنده " وهو أجل البعث عنده .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأنه - تعالى ذكره - نبه خلقه على موضع حجته عليهم من أنفسهم فقال لهم : أيها الناس ، إن الذي يعدل به كفاركم الآلهة والأنداد ، هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين ، فجعلكم صورا أجساما أحياء ، بعد إذ كنتم طينا جمادا ، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم ، ليعيدكم ترابا وطينا كالذي كنتم قبل أن ينشئكم ويخلقكم ، وأجل مسمى عنده لإعادتكم أحياء وأجساما كالذي كنتم قبل مماتكم . وذلك نظير قوله : كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ، [ سورة البقرة : 28 ] . [ ص: 260 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية