الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فالحاصل أن الفرق بين خيار البلوغ وخيار العتق في أربعة فصول : ( أحدها ) ما بينا .

( والثاني ) خيار المعتقة لا يبطل بالسكوت بل يمتد إلى آخر المجلس كخيار المخيرة ، وخيار البلوغ في جانبها يبطل بالسكوت ; لأن المعتقة إنما يثبت لها الخيار بتخيير الشرع حيث قال صلى الله عليه وسلم { ملكت بضعك فاختاري } فيكون بمنزلة الثابت بتخيير الزوج ، فأما هنا الخيار يثبت للبكر لانعدام تمام الرضا منها ورضاء البكر يتم بسكوتها شرعا .

ألا ترى أنها لو زوجت بعد البلوغ فسكتت كان سكوتها رضا ، فكذلك إذا زوجت قبل البلوغ ولهذا قلنا لو بلغت ثيبا لا يبطل خيارها بالسكوت كما لو زوجت بعد البلوغ ، وكذلك الغلام لا يبطل خياره بالسكوت ; لأن السكوت في حقه لم يجعل رضا كما لو زوج بعد البلوغ . ( والثالث ) أن خيار العتق يثبت للأمة دون الغلام وخيار البلوغ يثبت لهما جميعا ; لأن ثبوت خيار العتق باعتبار زيادة الملك ، وذلك في عتق الأمة دون [ ص: 217 ] الغلام وثبوت خيار البلوغ لنقصان شفقة الولي ، وذلك موجود في حق الغلام والجارية ، ولأن في تزويج الغلام المولى ينظر له لا لنفسه ، وفي تزويج الأمة ينظر لنفسه باكتساب المهر وإسقاط النفقة عن نفسه فلهذا اختلفا في حكم الخيار وهنا لا يختلف معنى نظر الولي بالغلام والجارية فلهذا يثبت الخيار في الموضعين جميعا ، ولا يقال بأن الغلام هنا يتمكن من التخلص بالطلاق كما في المعتق ; لأنه لا يتمكن من التخلص عن المهر بالطلاق ، ولم يكن متمكنا من التخلص عند العقد بخلاف العبد فإنه كان عند العقد متمكنا من التخلص بالطلاق ووجوب المهر يومئذ كان في مالية المولى وباعتباره ملك المولى إجباره على النكاح ، فلهذا فرقنا بينهما .

( والرابع ) أن المعتقة إذا علمت بالعتق ، ولم تعلم أن لها الخيار لا يسقط خيارها حتى تعلم به والتي بلغت إذا لم تعلم بالخيار وعلمت بالنكاح فسكتت سقط خيارها ; لأن سبب الخيار في العتق ، وهو زيادة الملك حكم لا يعلمه إلا الخواص من الناس فتعذر بالجهل ، وقد كانت مشغولة بخدمة المولى فعذرناها لذلك أما خيار البلوغ فظاهر يعرفه كل واحد ولظهوره ظن بعض الناس أنه يثبت في إنكاح الأب أيضا فلهذا لا تعذر بالجهل ، ولأنها ما كانت مشغولة بشيء قبل البلوغ فكان سبيلها أن تتعلم ما تحتاج إليه بعد البلوغ فلهذا لا تعذر بالجهل

التالي السابق


الخدمات العلمية