الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ مقتل عمرو بن الجموح ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن أشياخ من بني سلمة : أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج ، وكان له بنون أربعة مثل الأسد ، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد ، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه ، وقالوا له : إن الله عز وجل : قد عذرك ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه ، والخروج معك فيه . فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك ، وقال لبنيه : ما عليكم أن لا تمنعوه ، لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد وروى الإمام أحمد عن قتادة بن الحارث بن ربعي الأنصاري قال : أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل ، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة - وكانت رجله عرجاء - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم » ، فقتلوه يوم أحد وهو وابن أخيه ومولى لهم ، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة » ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا في قبر واحد . انتهى . واستشهد ابنه خلاد بن عمرو ، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فحملتهم هند بنت عمرو بن حرام زوجة عمرو بن الجموح على بعير لها تريد بهم المدينة ، فلقتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما - وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر ، ولم يضرب الحجاب يومئذ ، فقالت لها : هل عندك خبر ؟ ما وراءك ؟ قالت : أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكل مصيبة بعده جلل . واتخذ الله من المؤمنين شهداء ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا [الأحزاب 25 ] قالت عائشة : من هؤلاء ؟ قالت : أخي وابني خلاد ، وزوجي عمرو بن الجموح . قالت : وأين تذهبين بهم ؟ قالت : إلى المدينة أقبرهم فيها ، ثم قالت : حل حل ، تزجر بعيرها ، فبرك ، فقالت لها عائشة : لما عليه ؟ قالت : ما ذاك به لربما حمل ما يحمل بعيران ، ولكن أراه لغير ذلك ، وزجرته فقام وبرك ، فوجهته راجعة إلى أحد ، فأسرع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك ، فقال : إن الجمل مأمور ، هل قال عمرو شيئا ؟ قالت : إن عمرا لما توجه إلى أحد قال : اللهم لا تردني إلى أهلي خائبا وارزقني الشهادة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فلذلك الجمل لا يمضي ، إن منكم - معشر الأنصار - من لو أقسم على الله لأبره . منهم عمرو بن الجموح ، ولقد رأيته [يطأ ] بعرجته في الجنة ، يا هند ، ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينتظرون أين يدفن » ، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبرهم ، ثم قال : «يا هند ، قد ترافقوا في الجنة » قالت : يا رسول الله ، ادع الله عسى أن يجعلني معهم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية