الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ وحشي يحدث الضمري وابن الخيار عن قتله حمزة ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال : خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار ، أخو بني نوفل بن عبد مناف ، في زمان معاوية بن أبي سفيان ، فأدربنا مع الناس ، فلما قفلنا مررنا بحمص - وكان وحشي ، مولى جبير بن مطعم ، قد سكنها ، وأقام بها - فلما قدمناها ، قال لي عبيد الله بن عدي : هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله ؟ قال : قلت له : إن شئت . فخرجنا نسأل عنه بحمص ، فقال لنا رجل ، ونحن نسأل عنه : إنكما ستجدانه بفناء داره ، وهو رجل قد غلبت عليه الخمر ، فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا ، وتجدا عنده بعض ما تريدان ، وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه ، وإن تجداه وبه بعض ما يكون به ، فانصرفا عنه ودعاه ، قال : فخرجنا نمشي حتى جئناه ، فإذا هو بفناء داره على طنفسة له ، فإذا شيخ كبير مثل البغاث .

            - قال ابن هشام : البغاث : ضرب من الطير إلى السواد - فإذا هو صاح لا بأس به . قال : فلما انتهينا إليه سلمنا عليه ، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي ، فقال : ابن لعدي بن الخيار أنت ؟ قال : نعم ؛ قال : أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى ، فإني ناولتكها وهي على بعيرها ، فأخذتك بعرضيك ، فلمعت لي قدماك حين رفعتك إليها ، فوالله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما . قال : فجلسنا إليه ، فقلنا له : جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة ، كيف قتلته ؟ فقال : أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك ، كنت غلاما لجبير بن مطعم ، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر ؛ فلما سارت قريش إلى أحد ، قال لي جبير : إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق قال : فخرجت مع الناس ، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة ، قلما أخطئ بها شيئا ؛ فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره ، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق ، يهد الناس بسيفه هدا ، ما يقوم له شيء ، فوالله إني لأتهيأ له ، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى ، فلما رآه حمزة قال له : هلم إلي يا ابن مقطعة البظور . قال : فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه . قال : وهززت حربتي ، حتى إذا رضيت منها ، دفعتها عليه ، فوقعت في ثنته ، حتى خرجت من بين رجليه ، وذهب لينوء نحوي ، فغلب ، وتركته وإياها حتى مات ، ثم أتيته فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى العسكر ، فقعدت فيه ، ولم يكن لي بغيره حاجة ، وإنما قتلته لأعتق . فلما قدمت مكة أعتقت ، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف ، فمكثت بها ، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا تعيت علي المذاهب ، فقلت : ألحق بالشأم ، أو اليمن ، أو ببعض البلاد ؛ فوالله إني لفي ذلك من همي ، إذ قال لي رجل : ويحك إنه والله ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه ، وتشهد شهادته . [ وحشي بين يدي الرسول يسلم ]

            فلما قال لي ذلك ، خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أتشهد بشهادة الحق ؛ فلما رآني قال : أوحشي ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة قال : فحدثته كما حدثتكما ، فلما فرغت من حديثي قال : ويحك غيب عني وجهك ، فلا أرينك . قال : فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني ، حتى قبضه الله صلى الله عليه وسلموروى الطبراني بسند حسن عن وحشي : قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا وحشي » ، قلت : نعم ، قال : «قتلت حمزة ؟ » فقلت : نعم ، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده ، فقالت له قريش : أتحبه وهو قاتل حمزة ؟ ! فقلت : يا رسول الله استغفر لي ، فتفل في الأرض ثلاثة ، ودفع في صدري ثلاثة ، وقال : «يا وحشي ، اخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله » . [ قتل وحشي لمسيلمة ]

            فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم ، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة ، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف ، وما أعرفه ، فتهيأت له ، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى ، كلانا يريده ، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه ، فوقعت فيه ، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف ، فربك أعلم أينا قتله ، فإن كنت قتلته ، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قتلت شر الناس .

            قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن الفضل ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان قد شهد اليمامة ، قال : سمعت يومئذ صارخا يقول : قتله العبد الأسود .

            عن عبد الله بن السائب: وقد قتل الله بيد حمزة من الكفار أحدا وثلاثين، وكان يدعى أسد الله قلت -أبو الفداء ابن كثير -: الأنصاري -الذي شارك وحشي في قتل مسيلمة الكذاب- هو أبو دجانة سماك بن خرشة كما سيأتي في مقتل أهل اليمامة ، وقال الواقدي في الردة : هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وقال سيف بن عمر : هو عدي بن سهل وهو القائل :


            ألم تر أني ووحشيهم قتلت مسيلمة المفتتن     ويسألني الناس عن قتله
            فقلت ضربت وهذا طعن

            والمشهور أن وحشيا هو الذي بدره بالضربة ، وذفف عليه أبو دجانة

            التالي السابق


            الخدمات العلمية