الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال

                                                                                                                                                                                                                                      ويسبح الرعد أي: سامعوه من العباد الراجين للمطر ملتبسين بحمده أي: يضجون بسبحان الله، والحمد لله، وإسناده إلى الرعد لحمله لهم على ذلك، أو يسبح الرعد نفسه، على أن تسبيحه عبارة عن دلالته على وحدانيته تعالى، وفضله المستوجب لحمده.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده. وإذا اشتد يقول: اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك. وعن علي رضي الله عنه: سبحان من سبحت له. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن اليهود سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد فقال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار [ ص: 10 ] يسوق بها السحاب. وعن الحسن : خلق من خلق الله تعالى ليس بملك.

                                                                                                                                                                                                                                      والملائكة أي: يسبح الملائكة من خيفته من هيبته، وإجلاله جل جلاله. وقيل: الضمير للرعد ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء فيهلكه بذلك وهم أي: الكفرة المخاطبون في قوله تعالى: هو الذي يريكم البرق وقد التفت إلى الغيبة إيذانا بإسقاطهم عن درجة الخطاب، وإعراضا عنهم، وتعديدا لجناياتهم لدى كل من يستحق الخطاب. كأنه قيل: هو الذي يفعل أمثال هذه الأفاعيل العجيبة من إراءة البرق، وإنشاء السحاب الثقال، وإرسال الصواعق الدالة على كمال علمه وقدرته ، ويعقلها من يعقلها من المؤمنين. أو الرعد نفسه. أو الملك الموكل به، والملائكة. ويعملون بموجب ذلك من التسبيح، والحمد، والخوف من هيبته تعالى. وهم أي: الكفرة الذين حكيت هناتهم مع ذلهم، وهوانهم، وحقارة شأنهم. يجادلون في الله أي: في شأنه تعالى حيث يفعلون ما يفعلون من إنكار البعث، واستعجال العذاب، استهزاء، واقتراح الآيات، فالواو لعطف الجملة على ما قبلها. من قوله تعالى: "هو الذي يريكم البرق..." إلخ. أو على قوله: "الله يعلم ما تحمل ..." إلخ. وأما العطف على قوله تعالى: "ويقول الذين كفروا" كما قيل: فلا مجال له لأن قوله تعالى: "الله يعلم..." إلخ. استئناف لبيان بطلان قولهم ذلك، ونظائره من استعجال العذاب، وإنكار البعث قاطع لعطف ما بعده على ما قبله. وقيل: للحال أي: فيصيب بالصواعق من يشاء، وهم في الجدال. وقد أريد به ما أصاب أربد بن ربيعة أخا لبيد فإنه أقبل مع عامر بن الطفيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغيانه الغوائل، فدخلا المسجد وهو عليه الصلاة والسلام جالس في نفر من الأصحاب رضي الله عنهم، فاستشرفوا لجمال عامر ، وكان من أجمل الناس، وقد كان أوصى إلى أربد أنه إذا رأيتني أكلم محمدا صلى الله عليه وسلم، فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يكلمه صلى الله عليه وسلم فدار أربد من خلفه صلى الله عليه وسلم فاخترط من سيفه شبرا، فحبسه الله تعالى، فلم يقدر على سله، وجعل عامر يومئ إليه. فرأى النبي صلى الله عليه وسلم الحال فقال: اللهم اكفيهما بما شئت، فأرسل الله عز وجل على أربد صاعقة في يوم صحو صائف فأحرقته. وولى عامر هاربا، فنزل في بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضم عليه سلاحه، وتغير لونه، وركب فرسه، فجعل يركض في الصحراء ويقول: ابرز يا ملك الموت، ويقول الشعر، ويقول: واللات لئن أصحر لي محمد وصاحبه، يعني: ملك الموت لأنفذتهما برمحي، فأرسل الله تعالى ملكا فلطمه بجناحه، فأرداه في التراب، فخرجت على ركبته في الوقت غدة عظيمة، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، ثم دعا بفرسه فركبه فأجراه حتى مات على ظهره. وقيل: أريد به ما روي عن الحسن أنه كان رجل من طواغيت العرب ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم نفرا من أصحابه يدعونه إلى الله عز وجل. فقال لهم: أخبروني عما تدعونني إليه ما هو؟ ومم هو؟ من ذهب، أم من فضة، أم من نحاس، أم من حديد، أم من در؟ فاستعظموا مقالته، فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا رجلا أكفر قلبا، ولا أعتى على الله منه. فقال صلى الله عليه وسلم: ارجعوا إليه ، فرجعوا إليه، فما زاد إلا مقالته الأولى، وأخبث. فرجعوا إليه صلى الله عليه وسلم، وأخبروه بما صنع فقال صلى الله عليه وسلم: ارجعوا إليه. فرجعوا، فبينما هم عنده ينازعونه إذ ارتفعت سحابة، ورعدت، وبرقت، ورمت بصاعقة، فاحترق الكافر، فجاءوا يسعون ليخبروه صلى الله عليه وسلم بالخبر، فاستقبلهم الأصحاب. فقالوا: احترق صاحبكم. قالوا: من أين علمتم؟ قالوا: أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو شديد المحال أي: والحال أنه شديد المماحلة، والمكابرة، والمماكرة لأعدائه من محله، إذا كاده وعرضه للهلاك، ومنه تمحل إذا تكلف استعمال الحيل، وقيل: هو محال من [ ص: 11 ] المحل. بمعنى: القوة. وقيل: محول من الحول، أو الحيلة، أعل على غير قياس، ويعضده أنه قرئ: بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول، إذا احتال. ويجوز أن يكون بمعنى: الفقار فيكون مثلا في القوة والقدرة، كقولهم: فساعد الله أشد وموساه أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية