الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ضمان دين الميت المفلس 2305 - ( عن سلمة بن الأكوع قال : { كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجنازة ، فقالوا : يا رسول الله صل عليها ، قال : هل ترك شيئا ؟ قالوا : لا ، فقال : هل عليه دين ؟ قالوا : ثلاثة دنانير ، قال : صلوا على صاحبكم ، فقال أبو قتادة : صل عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه } رواه أحمد والبخاري والنسائي وروى الخمسة إلا أبا داود هذه القصة من حديث أبي قتادة ، وصححه الترمذي وقال فيه النسائي وابن ماجه فقال أبو قتادة : أنا أتكفل به وهذا صريح في الإنشاء لا يحتمل الإخبار بما مضى ) [ ص: 283 ]

                                                                                                                                            2306 - ( وعن جابر قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات عليه دين ، فأتي بميت ، فسأل : عليه دين ؟ قالوا : نعم ، ديناران ، قال : صلوا على صاحبكم ، فقال أبو قتادة : هما علي يا رسول الله فصلى عليه فلما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قال : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، فمن ترك دينا فعلي ، ومن ترك مالا فلورثته } رواه أحمد وأبو داود والنسائي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي قتادة أخرجه أيضا ابن حبان ، وحديث جابر أخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم وفي الباب عن أبي سعيد عند الدارقطني والبيهقي بأسانيد قال الحافظ : ضعيفة بلفظ : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم : هل على صاحبكم من دين ؟ قالوا : نعم درهمان ، قال : صلوا على صاحبكم ، فقال علي عليه السلام : يا رسول الله هما علي وأنا لهما ضامن فقام يصلي ثم أقبل على علي عليه السلام فقال : جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ، ما من مسلم فك رهان أخيه إلا فك الله رهانه يوم القيامة . قال بعضهم : هذا لعلي رضي الله عنه خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال : بل للمسلمين عامة } وعن أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : { من خلف مالا أو حقا فلورثته ، ومن خلف كلا أو دينا فكله إلي ودينه علي } وعن سلمان عند الطبراني بنحو حديث أبي هريرة ، وزاد { وعلى الولاة من بعدي من بيت مال المسلمين } وفي إسناده عبد الله بن سعيد الأنصاري متروك ومتهم ، وعن أبي أمامة عند ابن حبان في ثقاته قوله : " ثلاثة دنانير " في الرواية الأخرى " ديناران " وفي رواية لابن ماجه وأحمد وابن حبان من حديث أبي قتادة : " سبعة عشر درهما " وفي رواية لابن حبان من حديثه " ثمانية عشر " وهذان دون دينارين وفي رواية لابن حبان أيضا من حديثه " ديناران " وفي رواية له أيضا من حديث أبي أمامة نحو ذلك وفي مختصر المزني من حديث أبي سعيد الخدري أن الدين كان درهمين ويجمع بين رواية الدينارين والثلاثة بأن الدين كان دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ، ومن قال : ديناران ألغاه ، أو كان أصلهما ثلاثة فوفى قبل موته دينارا وبقي عليه ديناران فمن قال : ثلاثة فباعتبار الأصل ، ومن قال : ديناران فباعتبار ما بقي من الدين ، والأول أليق كذا في الفتح ولا يخفى ما في ذلك من التعسف ، والأولى الجمع بين الروايات كلها بتعدد القصة

                                                                                                                                            وأحاديث الباب تدل على أنها تصح الضمانة عن الميت ويلزم الضمين ما ضمن به ، وسواء كان الميت غنيا أو فقيرا ، وإلى ذلك ذهب [ ص: 284 ] الجمهور وأجاز مالك للضامن الرجوع على مال الميت إذا كان له مال وقال أبو حنيفة : لا تصح الضمانة إلا بشرط أن يترك الميت وفاء دينه وإلا لم يصح والحكمة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من عليه دين تحريض الناس على قضاء الديون في حياتهم والتوصل إلى البراءة لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتح : وهل كانت صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين محرمة عليه أو جائزة ؟ وجهان قال النووي : الصواب الجزم بجوازها مع وجود الضامن كما في حديث مسلم وحكى القرطبي أنه ربما كان يمتنع من الصلاة على من ادان دينا غير جائز

                                                                                                                                            وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع ، وفيه نظر ; لأن في حديث أبي هريرة ما يدل على التعميم حيث قال في رواية للبخاري { من توفي وعليه دين } ولو كان الحال مختلفا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم نعم جاء في حديث ابن عباس { : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصلاة على من عليه دين جاءه جبريل عليه السلام فقال : إنما الظالم في الديون التي حملت في البغي والإسراف ، فأما المتعفف وذو العيال فأنا ضامن له أؤدي عنه ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وقال : من ترك ضياعا } الحديث قال الحافظ : وهو ضعيف وقال الحازمي بعد أن أخرجه : لا بأس به في المبايعات ، وليس فيه أن التفضيل المذكور كان مستمرا ، وإنما فيه أنه طرأ بعد ذلك ، وأنه السبب في قوله صلى الله عليه وسلم { من ترك دينا فعلي } وفي صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين بعد أن فتح الله عليه إشعار بأنه كان يقضيه من مال المصالح

                                                                                                                                            وقيل : بل كان يقضيه من خالص ملكه وهل كان القضاء واجبا عليه أم لا ؟ فيه وجهان قال ابن بطال : وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين ، فإن لم يفعل فالإثم عليه إن كان حق الميت في بيت المال يفي بقدر ما عليه وإلا فبقسطه قوله : ( فعلي ) قال ابن بطال : هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين وقد حكى الحازمي إجماع الأمة على ذلك




                                                                                                                                            الخدمات العلمية