الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    صفحة جزء
                    [ ص: 1360 ] سياق

                    ما روي في بيعة أبي بكر وترتيب الخلافة وكيفية البيعة

                    2436 - أخبرنا محمد بن الحسن الفارسي قال : أنا أحمد بن سعيد الثقفي قال : نا محمد بن يحيى الذهلي قال : نا عبد الرزاق قال : أنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر ، فلما كان في آخر حجة حجها ونحن بمنى ، أتاني عبد الرحمن بن عوف منزلي عشاء فقال : لو شهدت أمير المؤمنين اليوم ، وأتاه رجل فقال : إني سمعت فلانا يقول : لو قد مات أمير المؤمنين ، لقد بايعت فلانا؛ فقال عمر : إني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا المسلمين أمرهم قال : فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن الموسم مجمع رعاع الناس وغوغائهم ، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك ، وإني أخشى إن قلت اليوم مقالة أن يطيروا بها كل مطير ، ولا يعوها ، ولا يضعوها على مواضعها ، ولكن أمهل يا أمير المؤمنين حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ، وتخلص بالمهاجرين والأنصار ، فتقول ما قلت متمكنا ، فيعوا مقالتك ، ويضعوها على مواضعها .

                    فقال عمر : أما والله إن شاء الله لأقومن بها في أول مقام أقومه بالمدينة .

                    قال : فلما قدم المدينة وجاء يوم الجمعة ، هجرت لما حدثني عبد الرحمن بن عوف ، فوجدت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد سبقني بالتهجير جالسا إلى جنب المنبر ، فجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته ، [ ص: 1361 ] فلما زالت الشمس خرج علينا عمر .

                    قال : فقلت وهو مقبل : أما والله ليقولن أمير المؤمنين على هذا المنبر اليوم مقالة لم تقل قبله .

                    قال : فغضب سعيد بن زيد فقال : وأي مقالة يقول لم يقل قبله ؟ قال فلما جاء عمر المنبر أخذ المؤذن في أذانه ، فلما فرغ المؤذن من أذانه قام عمر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها ، لا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن وعاها وعقلها وحفظها ، فليحدث بها حيث تنتهي راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فإني لا أحل لأحد أن يكذب علي .

                    إن الله بعث محمدا بالحق ، وأنزل معه الكتاب ، فكان فيما أنزل آية الرجم ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، وإني خائف أن يطول بالناس زمان ، فيقول قائل : والله ما نجد الرجم في كتاب الله؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن ، وقامت البينة أو كان الحمل والاعتراف .

                    ثم قد كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم .

                    ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد الله ، فقولوا : عبد الله ورسوله " .

                    ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول : لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلانا ، فلا يغترن امرؤ أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، وقد كانت كذلك إلا أن الله تعالى وقى شرها ، وليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر؛ فإنه كان خيرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن عليا ، والزبير ، ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة ، وتخلفت عنا الأنصار بأسرها في سقيفة بني ساعدة ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت : يا أبا بكر انطلق [ ص: 1362 ] بنا إلى إخواننا من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم ، فلقينا رجلين صالحين من الأنصار قد شهدا بدرا فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار قالا : فارجعوا ، فاقضوا أمركم بينكم ، فقلت : والله لنأتينهم فأتيناهم ، فإذا هم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة بين أظهرهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : سعد بن عبادة ، قلت : وشأنه ؟ قالوا : هو وجع . قال : فقام خطيب الأنصار ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فنحن الأنصار ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر قريش رهط منا ، وقد دفت إلينا منكم دافة ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، ويحضنونا من الأمر .

                    وقد زورت في نفسي مقالة ، وكنت أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري من أبي بكر بعض الحدة ، وكان أوقر مني وأحلم فلما أردت الكلام قال : على رسلك ، فكرهت أن أعصيه ، فحمد الله أبو بكر ، وأثنى عليه ، ثم قال : والله ما ترك كلمة كنت زورتها إلا جاء بها أو بأحسن منها في بديهته ، ثم قال : أما بعد ، فما ذكرتم فيكم من خير يا معشر الأنصار ، فأنتم له أهل ، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، وهم أوسط العرب دارا ونسبا ، وإني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي ، وبيد أبي عبيدة بن الجراح قال : فوالله ما كرهت مما قال شيئا غير هذه الكلمة ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر .

                    فلما قضى أبو بكر مقالته قام رجل من الأنصار ، فقال : أنا جزيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ، ومنكم أمير يا معشر قريش وإلا أحلنا الحرب بيننا وبينكم جذعة .

                    قال : معمر عن قتادة : فقال عمر بن الخطاب : إنه لا يصلح سيفان [ ص: 1363 ] في غمد واحد ، ولكن منا الأمراء ، ومنكم الوزراء .

                    قال الزهري في حديثه : فارتفعت الأصوات بيننا ، وكثر اللغط حتى أشفقت الاختلاف ، فقلت : يا أبا بكر ابسط يدك أبايعك . قال : فبسط يده فبايعته ، وبايعه المهاجرون ، وبايعته الأنصار قال : ونزونا على سعد ، حتى قال قائل : قتلتم سعدا قال : قلت : قتل الله سعدا ، وإنا والله ما رأينا فيما حضرنا من أمرنا أمرا كان أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم أن يحدثوا ببيعة بعدنا ، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى ، وإما أن نخالفهم ، فيكون فسادا ، فلا يغرن امرأ أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها ، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين ، فإنه لا يبايع له ولا هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا .

                    قال الزهري : وأخبرني عروة أن الرجلين اللذين لقياهما من الأنصار عويمر بن ساعدة ، ومعن بن عدي ، والذي قال : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب حباب بن المنذر . أخرجه البخاري ومسلم .

                    2437 - أنا عبد الله بن مسلم بن يحيى قال : أنا الحسين بن إسماعيل قال : نا أحمد بن الوليد السالمي قال : نا إسماعيل بن أبي أويس \ح\ :

                    2438 - وأنا عبد الرحمن بن عمر قال : أنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال : نا جدي يعقوب قال : حدثني إسماعيل بن أبي أويس قال : نا سليمان بن بلال ، عن هشام بن عروة قال : أخبرني عروة ، عن عائشة :

                    [ ص: 1364 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ، وأبو بكر بالسنح فقام عمر فقال : والله ما مات رسول الله . قال عمر : ما كان يقع في نفسي إلا ذاك ، وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم . فجاء أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وقال : بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ، لا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا . ثم خرج فقال : أيها الحالف ، على رسلك . فلما تكلم أبو بكر جلس عمر ، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال : ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال : إنك ميت وإنهم ميتون ، وقال : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ، فنشج الناس ، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا : منا أمير ومنكم أمير ، فذهب إليهم أبو بكر ، وعمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة ، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر ، وكان عمر يقول : والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما وأعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس ، فقال في كلامه : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، فقال الحباب بن المنذر : والله لا نقبل أبدا ، منا أمير ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : لا ، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء؛ هم أوسط العرب دارا وأعزهم أحسابا ، بايعوا عمر أو أبا عبيدة . فقال عمر : بل نبايعك أنت ، فأنت سيدنا وخيرنا ، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخذ عمر يده فبايعه وبايعه الناس قال قائل : قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر : قتله الله واللفظ ليعقوب .

                    أخرجه البخاري عن إسماعيل .

                    [ ص: 1365 ] 2439 - أنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن قال : أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : نا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد قال : نا يحيى بن آدم قال : حدثني حميد بن عبد الرحمن الرواسي ، عن سلمة بن نبيط الأشجعي ، عن نعيم يعني ابن أبي هند ، عن نبيط ، يعني ابن شريط ، عن سالم بن عبيد ، وكان رجلا من أهل الصفة قال :

                    أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأفاق فقال : حضرت الصلاة ؟ فقالوا : نعم . فقال : مروا بلالا فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس .

                    ثم أغمي عليه ، ثم أفاق فقال مثل ذلك ، فقالت عائشة : إن أبا بكر رجل أسيف . فقال : إنكن صواحب يوسف ، مروا بلالا فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس . فأقيمت الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيمت الصلاة ؟ قالوا : نعم . قال : " ادعوا إلي إنسانا أعتمد عليه . فجاءت بريرة وآخر معها فاعتمد عليهما ، وإن رجليه لتخطان في الأرض ، حتى أتوا أبا بكر وهو يصلي بالناس ، فجلس إلى جنبه ، فذهب أبو بكر يتأخر ، فحبسه حتى فرغ من الصلاة ، فلما توفي نبي الله صلى الله عليه وسلم قال عمر : لئن تكلم أحد بموته لأضربنه بسيفي هذا . فأخذ بساعد أبي بكر ، ثم أقبل يمشي حتى دخل فأوسعوا له ، حتى دنا من نبي الله صلى الله عليه وسلم فانكب عليه ، حتى كاد يمس وجهه وجهه ، حتى استبان له أنه قد توفي ، فقال : إنك ميت وإنهم ميتون . فقالوا : يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي نبي الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . فعلموا أنه كما قال ، فقالوا : يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قالوا : يا صاحب رسول الله ، بين لنا كيف نصلي عليه ؟ قال : يجيء قوم فيصلون ، ثم يجيء آخرون . قالوا : يا [ ص: 1366 ] صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قالوا : وأين ؟ قال : حيث قبض الله روحه ، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب ، فعلموا أنه كما قال ، ثم قال : عندكم صاحبكم . وخرج أبو بكر ، فاجتمع المهاجرون فجعلوا يبكون يتدارون بينهم ، فقالوا : انطلقوا بنا إلى إخواننا الأنصار؛ فإن لهم في هذا الحق نصيبا . فأتوهم ، فقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير . فقال عمر وأخذ بيد أبي بكر : سيفان في غمد واحد لا يصطلحان ، أو قال : لا يصلحان ، وأخذ بيد أبي بكر ، فقال له : من له هذه الثلاثة : إذ يقول لصاحبه من صاحبه ؟ إذ هما في الغار من هما ؟ لا تحزن إن الله معنا مع من ؟ ثم بسط يده فبايعه ، ثم قال : بايعوا . فبايع الناس بأحسن بيعة ، وأجملها
                    .

                    2440 - أنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس قال : نا أبو أحمد عبد الواحد بن المهتدي بالله قال : نا يحيى بن جعفر قال : نا محمد بن خالد قال : نا جعفر بن سليمان ، عن إسماعيل بن أمية ، عن سعيد بن المسيب قال :

                    خرج علي بن أبي طالب لبيعة أبي بكر ، والناس يتكلمون والأنصار ، فنادى فيهم فأسمعهم : أيكم يؤخر من قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ يعني أبا بكر ، فجاء علي بكلمة لم يأت أحد بمثلها .

                    2441 - أنا عبيد الله بن محمد بن أحمد قال : نا محمد بن عمرو قال : نا محمد بن أبي العوام قال : سمعت عبد العزيز القرشي يقول : سمعت سفيان الثوري يقول :

                    من قدم على أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما أحدا فقد أرزى على اثني عشر ألفا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض .

                    2442 - أنا جعفر بن عبد الله بن يعقوب قال : أنا محمد بن [ ص: 1367 ] هارون الروياني قال : نا أحمد بن عبد الرحمن قال : نا عمي قال : أخبرني يونس ، عن الزهري قال : أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك ، أن ابن عباس أخبره :

                    أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه ، فقال الناس : يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئا؛ فأخذ بيد عباس بن عبد المطلب ، فقال : ألا ترى ؟ إنك والله بعد ثلاث عبد العصا ، والله إني لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفى في وجعه هذا ، وإني لأعرف في وجوه بني عبد المطلب الموت ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسل فيمن يكون هذا الأمر ، فإن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا أمرته فأوصى بنا . قال علي : والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                    أخرجه البخاري عن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب .

                    2442 م - أخبرنا أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني قال : أنا عبد الله بن محمد بن زياد قال : نا أحمد بن عبد الرحمن الوهبي قال : نا ابن وهب ، عن أويس ، عن الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة وفي البيت رجال منهم عمر فقال : " هلموا لكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده " . فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا له يكتب [ ص: 1368 ] لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قوموا عني " . قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب باختلافهم ولغطهم

                    أخرجه البخاري عن يحيى بن سليمان ، عن ابن وهب .

                    2443 - أنا محمد بن الحسين الفارسي قال : أنا أحمد بن سعيد الثقفي قال : نا محمد بن يحيى قال : نا نعيم بن حماد ، نا ابن المبارك ، أنا يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت :

                    خرج أبو بكر ، ثم قال : من كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأتنا . قال عمر : لو كان منه عهد كان عهده إلى الله ثم إليك .

                    2444 - أنا عبيد الله بن أحمد المقري قال : نا الحسين بن إسماعيل قال : نا يعقوب الدورقي قال : نا وكيع قال : نا مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف قال : قلت لعبد الله بن أبي أوفى : " هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قال : فكيف أمر المسلمين بالوصية ؟ فقال : أوصى بكتاب الله عز وجل " .

                    قال الهذيل بن شرحبيل : وأبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ود أبو بكر أنه وجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا فخزم أنفه بخزام . أخرجه البخاري ومسلم .

                    [ ص: 1369 ] 2445 - أنا عبيد الله بن محمد بن أحمد قال : نا جعفر بن محمد بن نصير قال : نا يحيى بن محمد بن البختري قال : نا محمد بن عبيد بن حساب قال : نا يوسف بن يعقوب الماجشون قال : أخبرني ابن شهاب قال :

                    كان من فضائل أبي بكر الصديق أنه لم يكفر بالساعة قط .

                    2446 - أنا محمد بن الحسين الفارسي قال : أنا الحسين بن يحيى قال : نا الفضل بن سهل قال : نا يزيد بن هارون قال : نا مبارك بن فضالة : سمعت الحسن حلف بالله أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر . قال : وسمعت معاوية بن قرة يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر .

                    2447 - أنا محمد بن عثمان بن محمد الدقيقي قال : نا محمد بن نوح قال : نا هارون بن إسحاق قال نا وكيع ، عن الأعمش ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : قال أبو بكر في مرضه الذي مات فيه : انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي ، وكلمة تكلمها ، وقد كنت أصبت من الودك نحوا مما كنت أصبت في التجارة . قالت عائشة : فلما مات نظرنا ، فإذا عبد قوي كان يحمل صبيانه ، وناضح كان يستقي عليه . قالت : فبعثنا به إلى عمر . قالت : فبكى عمر ، وقال : رحمة الله على أبي بكر ، لقد أتعب من بعده تعبا شديدا .

                    2448 - أنا أحمد بن عمر بن محمد ، أنا الحسين بن أحمد بن الربيع قال : نا حميد بن الربيع قال : نا هشيم ، أنا حصين بن عبد الرحمن ، [ ص: 1370 ] عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال عمر بن الخطاب : " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، فمن قال غير هذا فهو مفتر ، وعليه ما على المفتري " .

                    2449 - أنا عيسى بن علي قال : أنا عبد الله بن محمد قال : نا داود بن عمرو قال : نا عبد الجبار ، عن ابن أبي مليكة قال : قالت عائشة : لما حضر أبي دعاني ، فقال : يا بنية إني قد كنت أعطيتك خيبر ، ولم تكوني حزتيها ، وإني أحب أن ترديها علي . قالت : فقلت : قد غفر الله لك يا أبت ، والله لو كانت خيبر ذهبا جميعا لرددتها عليك . قال : فهي على كتاب الله يا بنية ، إني كنت أتجر قريش وأكثرهم مالا ، فلما شغلتني الإمارة رأيت إن أصبت من المال ، فذكر داود كلمتين أو ثلاثة لم أحفظ أنا ، ثم قال : العباءة القطوانية ، والخلاب ، والعبد ، فإذا قضيت فأسرعي به إلى ابن الخطاب ، يا بنية ، ثيابي هذه فكفنيني بها . قالت : فبكيت ، فقلت : يا أبت نحن أيسر من ذلك . فقال : غفر الله لك ، وهل ذلك إلا للمهل ؟ قالت : فلما مات بعثت بذلك إلى ابن الخطاب ، فقال : يرحم الله أباك ، لقد أحب أن لا يترك لقائل مقالا .

                    2450 - أنا محمد بن علي بن النضر قال : نا علي بن عبد الله بن مبشر قال : نا عبد الحميد بن بيان قال : نا خالد بن يونس ، عن الحسن ، عن أبي بكر : أنه رأى في المنام كأن عليه حلة حبرة ، وعلى صدره كتبان ، فقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " حلة حبرة خير لك من ولدك ، والكتبان إمارة سنتين أو تلي أمر الناس سنتين " .

                    [ ص: 1371 ] 2451 - أنا أحمد بن عبد الله بن الخضر قال : أنا محمد بن عبد الله قال : نا معاذ بن المثنى قال : نا محمد بن عباد قال : نا سفيان ، عن الوليد بن كثير ، عن ابن صياد ، عن سعيد بن المسيب قال :

                    لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة بصوت واحد ، فسمع ذلك أبو قحافة ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ما صنع الناس بعده ؟ قالوا : ولوا ابنك . قال : أفرضيت بذلك بنو عبد شمس وبنو المغيرة ؟ قالوا : نعم . قال : فلا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع . فلما مات ابنه ارتجت مكة بموته ووفاته قال : ما هذا ؟ قالوا : توفي ابنك . قال : هذا خبر جليل .

                    2452 - أنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس قال : أنا أحمد بن سليمان الطوسي قال : نا الزبير بن بكار قال : حدثني محمد بن محمد بن أبي قدامة ، عن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال :

                    لما حضر أبا بكر رضي الله عنه الوفاة ، دعا عثمان بن عفان ، فأملى عليه عهده : هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها ، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها ، وحتى يؤمن الكافر ، ويتوب الفاجر ، إني استخلفت من بعدي عمر بن الخطاب ، فإن عدل فذلك رأيي فيه وظني ، وإن جار وبدل فالحق أردت ، ولا أعلم الغيب ، وما توفيقي إلا بالله ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية