الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل ) ( يعتبر ) لصحة انعقاد الإجماع ( انقراض العصر ، وهو موت من اعتبر فيه ) من غير رجوع واحد منهم عما أجمعوا عليه عند الإمام أحمد رضي الله عنه وأكثر أصحابه . واختاره ابن فورك ، وسليم الرازي . ونقله الأستاذ عن الأشعري ، وابن برهان عن المعتزلة ( فيسوغ لهم ) أي لجميع مجتهدي العصر ( ولبعضهم الرجوع ) عما أجمعوا عليه ( لدليل ) يقتضي الرجوع ( ولو عقبه ) أي عقب إجماعهم على الحكم ; لأن الإجماع إنما يستقر بموت من اعتبر فيه . والمعتبر فيه هم المجتهدون فيسوغ لهم ولبعضهم الرجوع قبل استقرار الإجماع . وفي المسألة أقوال [ ص: 234 ] غير ذلك . أحدها : وهو قول الأئمة الثلاثة وأكثر الفقهاء والمتكلمين : أنه لا يعتبر انقراض العصر مطلقا . والقول الثاني : أنه يعتبر انقراض العصر للإجماع السكوتي لضعفه دون غيره . اختاره الآمدي وغيره . ونقل عن الأستاذ أبي منصور البغدادي . وقال : إنه قول الحذاق من أصحاب الشافعي . وقال القاضي أبو الطيب : هو قول أكثر الأصحاب ، ونقله أبو المعالي عن الأستاذ أبي إسحاق واختاره البندنيجي . وجعل سليم الرازي محل الخلاف في غير السكوتي . والقول الثالث : أنه يعتبر انقراض العصر للإجماع القياسي دون غيره . والقول الرابع : أنه يعتبر انقراض العصر إن بقي عدد التواتر . وإن بقي أقل من ذلك لم يكترث بالباقي . وحاصله : أنه إذا مات منهم جمع وبقي منهم عدد التواتر ، ورجعوا أو بعضهم لم ينعقد الإجماع ، وإن بقي منهم دون عدد التواتر ، ورجعوا أو بعضهم لم يؤثر في الإجماع . والقول الخامس : أنه يعتبر انقراض العصر في إجماع الصحابة دون إجماع غيرهم . وحيث لا يعتبر انقراض العصر لا يعتبر تمادي الزمن مطلقا ، بل يكون اتفاقهم حجة بمجرده ، حتى لو رجع بعضهم لا يعتد به ، ويكون خارقا للإجماع . ولو نشأ مخالف لم يعتد بقوله ، بل يكون الإجماع حجة عليه ، ولو ظهر لجميعهم ما يوجب الرجوع فرجعوا كلهم حرم . وكان إجماعهم حجة عليهم وعلى غيرهم ، حتى لو جاء غيرهم مجمعين على خلاف ذلك لم يجز أيضا . وإلا لتصادم الإجماعان . واستدل لاعتبار انقراض العصر : بأن عليا خالف عمر رضي الله عنهما بعد موته في بيع أم الولد . وأن حد الخمر ثمانون ، وعمر خالف أبا بكر رضي الله عنهما في قسمة الفيء . فإن أبا بكر سوى . وعمر فضل . وأجيب عن الأول بأنه لا يدل على سبق الإجماع . وقول عبيدة لعلي " رأيك في الجماعة " أي زمن الاجتماع والألفة " أحب إلينا من رأيك وحدك " كيف وقد قال جابر " بعناهن على زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وشطر من خلافة عمر " وهو قول ابن عباس . وعن الثاني : أنه خالف السكوتي ، ثم هو فعل . وعن الثالث : بأنه خالف في زمانه . [ ص: 235 ]

واستدل له أيضا : بأنه اجتهاد . فساغ الرجوع ، وإلا منع الاجتهاد الاجتهاد .

أجيب : لا يجوز ; إذ صار الأول قطعيا . واستدل أيضا : بأن المنع من الرجوع يلزم منه إلغاء الخبر الصحيح بتقدير الاطلاع عليه إذا خالف إجماعهم . أجيب لزوم الإلغاء ممنوع ، لتوقفه على تقديره ، وهو بعيد أو ممتنع ، لأن الباري سبحانه وتعالى عصمهم عن الاتفاق على خلاف الخبر الصحيح ، ولو سلم فالإجماع قطعي ، يقدم على الخبر الظني . قال ابن مفلح : رد لأنه بعيد . وقيل : محال للعصمة ، ثم يلزم لو انقرضوا فلا أثر له ، لأن الإجماع قاطع ، ولأنه إن كان عن نص لم يتغير ، وإلا لم يجز نقض اجتهاد بمثله ، لا سيما لقيام الإجماع هنا . واستدل أيضا بأن موت النبي صلى الله عليه وسلم شرط دوام الحكم . فكذا هنا . أجيب : لإمكان نسخه . فيرفع قطعي بمثله .

واستدل لقول الأكثر - الذي هو عدم اعتبار انقراض العصر - بأدلة الإجماع .

وبأنه لو اعتبر امتنع الإجماع للتلاحق . ورد بندرة إدراكه مجتهدا . واستدل أيضا : بأنه لما كان قولهم حجة لم تبطل بموتهم كالرسول صلى الله عليه وسلم . رد بأنه محل النزاع ، وبأن قول الرسول وحي فلم يقس بغيره . وقولهم : عن اجتهاد ( لا عدد تواتر ) يعني : أنه لا يشترط لصحة انعقاد الإجماع أن يبلغ المجمعون عدد التواتر . كما لا يشترط ذلك . في الدليل السمعي ، ونقله ابن برهان عن معظم العلماء ; لأن المقصود اتفاق مجتهدي العصر . وقد حصل ( فلو لم يكن ) في ذلك العصر ( إلا ) مجتهد ( واحد ) ولم يصر مخالف أهلا حتى مات ذلك الواحد ( ف ) قوله ( إجماع ) في ظاهر كلام أصحابنا . قاله ابن مفلح . وعزاه الهندي للأكثرين . قال ابن عقيل في الواضح : لو قل عدد الاجتهاد فلم يبق إلا الواحد والاثنان لفتنة أو غيرها استوعبتهم والعياذ بالله تعالى ، كما قل القراء في قتال أهل الردة بكثرة من قتل من المسلمين كان من بقي من المجتهدين مستقلا بالإجماع ولم ينخرم لعدم الكثرة ، وإذا كان هذا العدد القليل يصلح لإثبات أصل الإجماع المقطوع به . فأولى أن يصلح لفك الإجماع واختلاله بمخالفته

التالي السابق


الخدمات العلمية