الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال حسان بن ثابت يبكي خبيبا فيما ذكره ابن إسحاق :


            ما بال عينك لا ترقا مدامعها سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق     على خبيب فتى الفتيان قد علموا
            لا فشل حين تلقاه ولا نزق     فاذهب خبيب جزاك الله طيبة
            وجنة الخلد عند الحور في الرفق     ماذا تقولون إن قال النبي لكم
            حين الملائكة الأبرار في الأفق     فيم قتلتم شهيد الله في رجل
            طاغ قد اوعث في البلدان والرفق



            قال ابن هشام : تركنا بعضها ; لأنه أقذع فيها . وقال حسان يهجو الذين غدروا بأصحاب الرجيع من بني لحيان فيما ذكره ابن إسحاق :


            إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له     فأت الرجيع فسل عن دار لحيان
            قوم تواصوا بأكل الجار بينهم     فالكلب والقرد والإنسان مثلان
            لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم     وكان ذا شرف فيهم وذا شان



            وقال حسان بن ثابت يهجو هذيلا وبني لحيان على غدرهم بأصحاب الرجيع رضي الله عنهم أجمعين :


            لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك     أحاديث كانت في خبيب ، وعاصم
            أحاديث لحيان صلوا بقبيحها     ولحيان جرامون شر الجرائم
            أناس هم من قومهم في صميمهم     بمنزلة الزمعان دبر القوادم
            هم غدروا يوم الرجيع وأسلمت     أمانتهم ذا عفة ومكارم
            رسول رسول الله غدرا ولم تكن     هذيل توقى منكرات المحارم
            فسوف يرون النصر يوما عليهم     بقتل الذي تحميه دون الحرائم
            أبابيل دبر شمس دون لحمه     حمت لحم شهاد عظام الملاحم
            لعل هذيلا أن يروا بمصابه     مصارع قتلى أو مقاما لمأتم
            ونوقع فيها وقعة ذات صولة     يوافي بها الركبان أهل المواسم
            بأمر رسول الله إن رسوله     رأى رأي ذي حزم بلحيان عالم
            قبيلة ليس الوفاء يهمهم     وإن ظلموا لم يدفعوا كف ظالم
            إذا الناس حلوا بالفضاء رأيتهم     بمجرى مسيل الماء بين المخارم
            محلهم دار البوار ورأيهم     إذا نابهم أمر كرأي البهائم

            قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا :


            سالت هذيل رسول الله فاحشة     ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
            سالوا رسولهم ما ليس معطيهم     حتى الممات ، وكانوا سبة العرب
            ولن ترى لهذيل داعيا أبدا     يدعو لمكرمة عن منزل الحرب
            لقد أرادوا خلال الفحش ويحهم     وأن يحلوا حراما كان في الكتب

            وقال حسان بن ثابت يهجو هذيلا :


            لحى الله لحيانا فليست دماؤهم     لنا من قتيلي غدرة بوفاء
            همو قتلوا يوم الرجيع ابن حرة     أخا ثقة في وده وصفاء
            فلو قتلوا يوم الرجيع بأسرهم     بذي الدبر ما كانوا له بكفاء
            قتيل حمته الدبر بين بيوتهم     لدى أهل كفر ظاهر وجفاء
            فقد قتلت لحيان أكرم منهم     وباعوا خبيبا ويلهم بلفاء
            فأف للحيان على كل حالة     على ذكرهم في الذكر كل عفاء
            قبيلة باللؤم والغدر تغتري     فلم تمس يخفى لؤمها بخفاء
            فلو قتلوا لم توف منه دماؤهم     بلى إن قتل القاتليه شفائي
            فالا أمت أذعر هذيلا بغارة     كغادي الجهام المغتدي بافاء
            بأمر رسول الله والأمر أمره     يبيت للحيان الخنا بفناء
            يصبح قوما بالرجيع كأنهم     جداء شتاء بتن غير دفاء

            وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا :


            فلا والله ما تدري هذيل     أصاف ماء زمزم أم مشوب
            ولا لهم إذا اعتمروا وحجوا     من الحجرين والمسعى نصيب
            ولكن الرجيع لهم محل     به اللؤم المبين والعيوب
            كأنهم لدى الكنات أصلا     تيوس بالحجاز لها نبيب
            هم غروا بذمتهم خبيبا     فبئس العهد عهدهم الكذوب



            قال ابن هشام : آخرها بيتا عن أبي زيد الأنصاري . قال حسان رضي الله عنه ، أيضا يمدح أصحاب الرجيع ويسميهم في شعره كما ذكره ابن إسحاق رحمه الله تعالى :


            صلى الإله على الذين تتابعوا     يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
            رأس السرية مرثد وأميرهم     وابن البكير أمامهم وخبيب
            وابن لطارق وابن دثنة منهم     وافاه ثم حمامه المكتوب
            والعاصم المقتول عند رجيعهم     كسب المعالي إنه لكسوب
            منع المقادة أن ينالوا ظهره     حتى يجالد إنه لنجيب

            قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان . قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي خبيبا :


            يا عين جودي بدمع منك منسكب     وابكي خبيبا مع الفتيان لم يؤب
            صقرا توسط في الأنصار منصبه     سمح السجية محضا غير مؤتشب
            قد هاج عيني على علات عبرتها     إذ قيل نص إلى جذع من الخشب
            يأيها الراكب الغادي لطيته     أبلغ لديك وعيدا ليس بالكذب
            بني كهيبة أن الحرب قد لقحت     محلوبها الصاب إذ تمرى لمحتلب
            فيها أسود بني النجار تقدمهم     شهب الأسنة في معصوصب لجب



            قال ابن هشام : وهذه القصيدة مثل التي قبلها ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكرهما لحسان ، وقد تركنا أشياء قالها حسان في أمر خبيب لما ذكرت . قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا :


            لو كان في الدار قرم ماجد بطل     ألوى من القوم صقر خاله أنس
            إذن وجدت خبيبا مجلسا فسحا     ولم يشد عليك السجن والحرس
            ولم تسقك إلى التنعيم زعنفة     من القبائل منهم من نفت عدس
            دلوك غدرا وهم فيها أولو خلف     وأنت ضيم لها في الدار محتبس



            قال ابن هشام : أنس : الأصم السلمي : خال مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف . وقوله : من نفث عدس يعني حجير بن أبي إهاب ؛ ويقال الأعشى بن زرارة بن النباش الأسدي ، وكان حليفا لبني نوفل بن عبد مناف .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية