الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن البواب الكاتب ، علي بن هلال ، أبو الحسن بن البواب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب الخط المنسوب ، صحب أبا الحسين بن سمعون الواعظ ، وكان يقص بجامع المدينة وقد أثنى على ابن البواب غير واحد في دينه ، وأما خطه وطريقته فأشهر من أن ينبه عليه ، وخطه أوضح تعريبا من خط أبي علي بن مقلة ، ولم يكن بعده أكتب منه ، وعلى طريقته الناس اليوم في سائر الأقاليم إلا القليل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : توفي يوم السبت ثاني جمادى الآخرة من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب حرب ، وقد رثاه بعضهم بأبيات منها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فللقلوب التي أبهجتها حزن وللعيون التي أقررتها سهر      [ ص: 595 ] فما لعيش وقد ودعته أرج
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما لليل وقد فارقته سحر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : ويقال له : ابن الستري . لأن أباه كان ملازما لستر الباب ، ويقال له : ابن البواب وكان قد أخذ الخط عن أبي عبد الله محمد بن أسد بن علي بن سعيد البزار ، وقد سمع ابن أسد هذا على النجاد وغيره ، وتوفي في سنة عشر وأربعمائة ، وأما ابن البواب فإنه توفي في جمادى الأولى من هذه السنة ، وقيل : في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة . وقد رثاه بعضهم فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استشعر الكتاب فقدك سالفا     وقضت بصحة ذلك الأيام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلذاك سودت الدوي كآبة     أسفا عليك وشقت الأقلام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر ابن خلكان أول من كتب بالعربية ، فقيل : إسماعيل عليه السلام . وقيل : أول من كتب بالعربية من قريش حرب بن أمية بن عبد شمس ، أخذها من بلاد الحيرة عن رجل يقال له : أسلم بن سدرة . وسئل عمن اقتبسها ؟ فقال : من واضعها ; رجل يقال له : مرامر بن مرة ، وهو رجل من أهل الأنبار . فأصل الكتابة في العرب من الأنبار . وقال الهيثم بن عدي : وقد كان لحمير كتابة يسمونها المسند ، وهي حروف متصلة غير منفصلة ، وكانوا يمنعون العامة من تعلمها ، وجميع كتابات الناس تنتهي إلى اثني عشر صنفا ; وهي العربية ، والحميرية ، واليونانية ، والفارسية ، والسريانية ، والعبرانية ، والرومية ، والقبطية ، والبربرية ، والهندية ، والأندلسية ، والصينية . وقد اندرس كثير منها ، فقل من يعرف كثيرا منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 596 ] علي بن عيسى بن سليمان بن محمد بن أبان ، أبو الحسن الفارسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المعروف بالسكري
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، الشاعر ، وكان يحفظ القرآن ، ويعرف القراءات ، وصحب القاضي أبا بكر الباقلاني ، وأكثر شعره في مديح الصحابة وذم الرافضة . وكانت وفاته في شعبان من هذه السنة ، ودفن بالقرب من قبر معروف الكرخي وقد أوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات التي عملها ، وهي قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نفس يا نفس كم تمادين في الغي     وتأتين في الفعال المعيب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      راقبي الله واحذري موقف العر     ض وخافي يوم الحساب العصيب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تغرنك السلامة في العي     ش فإن السليم رهن الخطوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كل حي فللمنون ولا يد     فع كأس المنون كيد الأريب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واعلمي أن للمنية وقتا     سوف يأتي عجلان غير هيوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن حب الصديق في موقف الحش     ر أمان للخائف المطلوب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن أحمد بن محمد بن منصور ، أبو جعفر ، البيع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويعرف بالعتيقي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، ولد سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة ، وأقام بطرسوس مدة ، وسمع بها وبغيرها ، وحدث بشيء يسير ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 597 ] محمد بن محمد بن النعمان ، أبو عبد الله ، المعروف بابن المعلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخ الإمامية الرافضة ، والمصنف لهم ، والمحامي عن حوزتهم ، كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف ، لميل كثير منهم إلى التشيع ، وكان مجلسه يحضره كثير من العلماء من سائر الطوائف ، وكان من جملة تلاميذه الشريف المرتضى وقد رثاه بقصيدة بعد وفاته في رمضان من هذه السنة ، منها قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من لفضل أخرجت منه حساما     ومعان فضضت عنها ختاما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من يثير العقول من بعد ما     كن همودا ويفتح الأفهاما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من يعير الصديق رأيا إذا ما     سله في الخطوب كان حساما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية