الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3592 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 94 ] ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون

                                                                                                                                                                                                                                      ولما فصلت العير أي: خرجت من مصر. يقال: فصل القوم عن المكان وانفصلوا، بمعنى فارقوه. قال أبوهم أي: لحفدته ومن حوله من قومه، من عظم اشتياقه ليوسف، وانتظاره لروح الله: إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون الريح: الرائحة، توجد في النسيم. لأتنسم رائحته مقبلة إلي، كناية عن تحققه وجوده بما ألقى الله في روعه من حياته، وساق إليه من نسائم البشارة الغيبية بسلامته. وقد كان عظم رجاؤه بذلك من مولاه، ووثق بنيل مأموله ومبتغاه، ولذلك نهى بنيه عن الاستيئاس من روح الله. وإذا دنا أجل الضراء، أخذت تهب نسائم الفرج حاملة عرف السراء، يدري ذلك كل من قوي إحساسه، وعظمت فطنته، واستنارت بصيرته، فيكاد أن يلمس في نهاية الشدة زهر الفرج، ولا يحنث إن آلى أنه يجد من نسيمه أزكى الفرج. عرف ذلك من عرف، فأحرى بمن نالوا من النبوة ذروة الشرف.

                                                                                                                                                                                                                                      وإضافة الريح إلى الولد معروفة في كلامهم: وفي حديث عند الطبراني: « ريح الولد من ريح الجنة » وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      يا حبذا ريح الولد ريح الخزامى في البلد



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لولا أن تفندون بمعنى إلا أنكم تفندون. أو لولاه لصدقتموني. و(فنده)* نسبه إلى الفند بفتحتين. وهو ضعف الرأي والعقل من الهرم وكبر السن.

                                                                                                                                                                                                                                      قال في (العناية): مأخوذ من الفند، وهو الحجر والصخرة، كأنه جعل حجرا لقلة فهمه، كما قال:


                                                                                                                                                                                                                                      إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى     فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا



                                                                                                                                                                                                                                      ثم اتسع فيه فقيل: فنده، إذا ضعف رأيه، ولامه على ما فعله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية