الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : " قل " يا محمد ، لهؤلاء العادلين بربهم " لمن ما في السماوات والأرض " يقول : لمن ملك ما في السماوات والأرض؟ ثم أخبرهم أن ذلك لله الذي استعبد كل شيء ، وقهر كل شيء بملكه وسلطانه لا للأوثان والأنداد ، ولا لما يعبدونه ويتخذونه إلها من الأصنام التي لا تملك لأنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرا .

وقوله : " كتب على نفسه الرحمة " يقول : قضى أنه بعباده رحيم ، لا يعجل عليهم بالعقوبة ، ويقبل منهم الإنابة والتوبة .

وهذا من الله - تعالى ذكره - استعطاف للمعرضين عنه إلى الإقبال إليه بالتوبة . [ ص: 274 ]

يقول - تعالى ذكره - : إن هؤلاء العادلين بي ، الجاحدين نبوتك ، يا محمد ، إن تابوا وأنابوا قبلت توبتهم ، وإني قد قضيت في خلقي أن رحمتي وسعت كل شيء ، كالذي : -

13096 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما فرغ الله من الخلق ، كتب كتابا : " إن رحمتي سبقت غضبي " .

13097 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : إن الله - تعالى ذكره - لما خلق السماء والأرض ، خلق مائة رحمة ، كل رحمة ملء ما بين السماء إلى الأرض . فعنده تسع وتسعون رحمة ، وقسم رحمة بين الخلائق . فبها يتعاطفون ، وبها تشرب الوحش والطير الماء . فإذا كان يوم ذلك ، قصرها الله على المتقين ، وزادهم تسعا وتسعين .

13098 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، نحوه إلا أن ابن أبي عدي لم يذكر في حديثه : " وبها تشرب الوحش والطير الماء " . [ ص: 275 ]

13099 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عاصم بن سليمان ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : نجد في التوراة عطفتين : أن الله خلق السماوات والأرض ، ثم خلق مائة رحمة أو : جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق . ثم خلق الخلق ، فوضع بينهم رحمة واحدة ، وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة . قال : فبها يتراحمون ، وبها يتباذلون ، وبها يتعاطفون ، وبها يتزاورون ، وبها تحن الناقة ، وبها تثوج البقرة ، وبها تيعر الشاة ، وبها تتابع الطير ، وبها تتابع الحيتان في البحر . فإذا كان يوم القيامة ، جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده . ورحمته أفضل وأوسع .

13100 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن عاصم بن سليمان ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان في قوله : " كتب على نفسه الرحمة " الآية قال : إنا نجد في التوراة عطفتين ثم ذكر نحوه إلا أنه قال : " وبها تتابع الطير ، وبها تتابع الحيتان في البحر " . [ ص: 276 ]

13101 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : قال ابن طاوس ، عن أبيه : إن الله - تعالى ذكره - لما خلق الخلق ، لم يعطف شيء على شيء ، حتى خلق مائة رحمة ، فوضع بينهم رحمة واحدة ، فعطف بعض الخلق على بعض .

13102 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، بمثله .

13103 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : وأخبرني الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، حسبته أسنده قال : إذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه ، أخرج كتابا من تحت العرش فيه : " إن رحمتي سبقت غضبي ، وأنا أرحم الراحمين " قال : فيخرج من النار مثل أهل الجنة أو قال : " مثلا أهل الجنة " ولا أعلمه إلا قال : " مثلا " وأما " مثل " فلا أشك مكتوبا هاهنا ، وأشار الحكم إلى نحره ، " عتقاء الله " فقال رجل لعكرمة : يا أبا عبد الله ، فإن الله يقول : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم [ سورة المائدة : 37 ] ؟ قال : ويلك ! أولئك أهلها الذين هم أهلها .

13104 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، حسبت أنه أسنده قال : إذا كان يوم القيامة ، أخرج الله كتابا من تحت العرش ثم ذكر نحوه ، غير أنه قال : فقال رجل : يا أبا عبد الله ، أرأيت قوله : " يريدون أن يخرجوا من النار " ؟ وسائر الحديث مثل حديث ابن عبد الأعلى .

13105 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لما [ ص: 277 ] قضى الله الخلق ، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش : " إن رحمتي سبقت غضبي " .

13106 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو : أنه كان يقول : إن لله مائة رحمة ، فأهبط رحمة إلى أهل الدنيا ، يتراحم بها الجن والإنس ، وطائر السماء ، وحيتان الماء ، ودواب الأرض وهوامها . وما بين الهواء . واختزن عنده تسعا وتسعين رحمة ، حتى إذا كان يوم القيامة ، اختلج الرحمة التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا ، فحواها إلى ما عنده ، فجعلها في قلوب أهل الجنة ، وعلى أهل الجنة .

13107 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : قال عبد الله بن عمرو : إن لله مائة رحمة ، أهبط منها إلى الأرض رحمة واحدة ، يتراحم بها الجن والإنس ، والطير والبهائم وهوام الأرض .

13108 - حدثنا محمد بن عوف قال : أخبرنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج قال : حدثنا صفوان بن عمرو قال : حدثني أبو المخارق زهير بن سالم قال : قال عمر لكعب : ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب : كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مداد ، ولكن كتبه بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت " أنا الله لا إله إلا أنا ، سبقت رحمتي غضبي " .

التالي السابق


الخدمات العلمية