الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة الأولى ) اتفق الناس على أن السجود للصنم على وجه التذلل والتعظيم له كفر ولو وقع مثل ذلك في حق الولد مع والده تعظيما له وتذللا أو في حق الأولياء والعلماء لم يكن كفرا والفرق عسير فإن قلت السجود للوالد والعالم يقصد به التقرب إلى الله تعالى فلذلك لم يكن كفرا قلت : وكذلك السجود للصنم فقد كانوا يقولون { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فقد صرحوا بقصد التقرب إلى الله تعالى بذلك السجود فإن قلت الله تعالى أمر بتعظيم الآباء والعلماء ولم يأمر بتعظيم الأصنام بل نهى عنه فلذلك كان كفرا قلت إن كان السجودان في المسألتين متساويين في المفسدة استحال في عادة الله أن يأمر بما هو كفر في بعض المواطن لقوله تعالى { ولا يرضى لعباده الكفر } أي لا يشرعه دينا ومعناه أن الفعل المشتمل على فساد الكفر لا يؤذن فيه ولا يشرع فلا يقال : إن الله تعالى شرع ذلك في حق الآباء والعلماء دون الأصنام .

[ ص: 126 ] وحقيقة الكفر في نفسه معلومة قبل الشريعة وليست مستفادة من الشرع ولا تبطل حقيقتها بالشريعة ولا تصير غير كفر فحينئذ الفرق مشكل وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يستشكل هذا المقام ويعظم الإشكال فيه .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال : ( وأكمل البحث في هذا الموطن بذكر مسألتين : الأولى اتفق الناس على أن السجود للصنم على وجه التذلل له والتعظيم كفر ولو وقع ذلك في حق الولد مع والده تعظيما له وتذللا أو في حق الأولياء والعلماء لم يكن كفرا والفرق عسير ) قلت : أغفل الوصف المفرق فعسر عليه الفرق والوصف المفرق أن سجود من سجد للأصنام لم يسجد لها لمجرد التذلل والتعظيم بل لذلك مع اعتقاد أنها آلهة وأنها شركاء لله تعالى ولو وقع مثل ذلك مع الوالد أو العالم أو الولي لكان ذلك كفرا لا شك فيه وأما إذا وقع ذلك أو ما في معناه مع الوالد لمجرد التذلل والتعظيم لا لاعتقاد أنه إله وشريك لله عز وجل فلا يكون كفرا وإن كان ممنوعا سدا للذريعة .

قال : ( فإن قلت : السجود للوالد والعالم إلى قوله . [ ص: 126 ] فحينئذ الفرق مشكل وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى يستشكل هذا المقام ويعظم الإشكال فيه ) قلت : إغفاله ما نبهت عليه أوقعه في هذا الخبال وعظم عنده وعند شيخه أمر الإشكال وقد تبين الحق في ذلك على الكمال والحمد لله الواقي من الضلال .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة الأولى ) الفرق بين السجود للصنم على وجه التذلل والتعظيم له اتفق الناس على أنه كفر وبين السجود للوالدين والأولياء والعلماء تعظيما وتذللا اتفقوا على أنه ليس بكفر هو أن السجود للأصنام ليس لمجرد التذلل والتعظيم بل له مع اعتقاد أنه آلهة وأنهم شركاء لله تعالى حتى اقتضى بذلك الجهل بالربوبية بخلافه للوالدين والأولياء والعلماء فإنه لما كان لمجرد التذلل والتعظيم لا لاعتقاد أنهم آلهة وشركاء لله عز وجل لم يكن كفرا وإن كان ممنوعا سدا للذريعة نعم لو وقع مع الوالد أو العالم أو الولي على وجه اعتقاد أنه إله وشريك لله تعالى لكان كفرا لا شك فيه .




الخدمات العلمية