قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=28996_18897_19248والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما .
قرأ هذا الحرف
نافع وابن عامر : ولم يقتروا بضم الياء المثناة التحتية وكسر التاء ، مضارع أقتر الرباعي ، وقرأه
ابن كثير وأبو عمرو : ولم يقتروا بفتح المثناة التحتية ، وكسر المثناة الفوقية ، مضارع قتر الثلاثي كضرب ، وقرأه
عاصم وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، ولم يقتروا بفتح المثناة التحتية ، وضم المثناة الفوقية ، مضارع قتر الثلاثي كنصر ، والإقتار على قراءة
نافع وابن عامر ، والقتر على قراءة الباقين معناهما واحد ، وهو التضييق المخل بسد الخلة اللازم ، والإسراف في قوله تعالى : لم يسرفوا ، مجاوزة الحد في النفقة .
واعلم أن أظهر الأقوال في هذه الآية الكريمة ، أن الله مدح عباده الصالحين بتوسطهم في إنفاقهم ، فلا يجاوزون الحد بالإسراف في الإنفاق ، ولا يقترون ، أي : لا يضيقون فيبخلون بإنفاق القدر اللازم .
وقال بعض أهل العلم : الإسراف في الآية : الإنفاق في الحرام والباطل ، والإقتار منع الحق الواجب ، وهذا المعنى وإن كان حقا فالأظهر في الآية هو القول الأول .
قال
ابن كثير - رحمه الله - :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا الآية ، أي : ليسوا مبذرين في إنفاقهم ، فيصرفوا فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم ، فيقصروا في حقهم فلا يكفوهم بل عدلا خيارا ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا ، انتهى محل الغرض منه .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وكان بين ذلك قواما ، أي : بين ذلك المذكور من الإسراف والقتر قواما أي : عدلا وسطا سالما من عيب الإسراف والقتر .
وأظهر أوجه الإعراب عندي في الآية هو ما ذكره
القرطبي ، قال : قواما خبر
[ ص: 76 ] كان ، واسمها مقدر فيها ، أي : كان الإنفاق بين الإسراف والقتر قواما ، ثم قال : قاله
الفراء ، وباقي أوجه الإعراب في الآية ليس بوجيه عندي ; كقول من قال : إن لفظة بين هي اسم كان ، وأنها لم ترفع لبنائها بسبب إضافتها إلى مبني ، وقول من قال : إن بين هي خبر كان ، و قواما حال مؤكدة له ، ومن قال : إنهما خبران ، كل ذلك ليس بوجيه عندي ، والأظهر الأول . والظاهر أن
nindex.php?page=treesubj&link=18898_19247التوسط في الإنفاق الذي مدحهم به شامل لإنفاقهم على أهليهم ، وإنفاقهم المال في أوجه الخير .
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، جاء موضحا في غير هذا الموضع ; فمن ذلك أن الله أوصى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالعمل بمقتضاه في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط الآية [ 17 \ 29 ] فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ، أي : ممسكة عن الإنفاق إمساكا كليا ، يؤدي معنى قوله هنا : ولم يقتروا . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تبسطها كل البسط ، يؤدي معنى قوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67لم يسرفوا ، وأشار تعالى إلى هذا المعنى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا [ 17 \ 26 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو الآية [ 2 \ 219 ] على أصح التفسيرين .
وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا المعنى في أول سورة " البقرة " ، في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=3ومما رزقناهم ينفقون [ 2 \ 3 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=28996_18897_19248وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا .
قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ : وَلَمْ يُقْتِرُوا بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ التَّاءِ ، مُضَارِعُ أَقْتَرَ الرُّبَاعِيِّ ، وَقَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو : وَلَمْ يَقْتِرُوا بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ ، وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ ، مُضَارِعُ قَتَرَ الثُّلَاثِيِّ كَضَرَبَ ، وَقَرَأَهُ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَلَمْ يَقْتُرُوا بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ ، وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ ، مُضَارِعُ قَتَرَ الثُّلَاثِيِّ كَنَصَرَ ، وَالْإِقْتَارُ عَلَى قِرَاءَةِ
نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ ، وَالْقَتْرُ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَاقِينَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ ، وَهُوَ التَّضْيِيقُ الْمُخِلُّ بِسَدِّ الْخَلَّةِ اللَّازِمُ ، وَالْإِسْرَافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : لَمْ يُسْرِفُوا ، مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي النَّفَقَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَظْهَرَ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، أَنَّ اللَّهَ مَدَحَ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ بِتَوَسُّطِهِمْ فِي إِنْفَاقِهِمْ ، فَلَا يُجَاوِزُونَ الْحَدَّ بِالْإِسْرَافِ فِي الْإِنْفَاقِ ، وَلَا يَقْتُرُونَ ، أَيْ : لَا يُضَيِّقُونَ فَيَبْخَلُونَ بِإِنْفَاقِ الْقَدْرِ اللَّازِمِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : الْإِسْرَافُ فِي الْآيَةِ : الْإِنْفَاقُ فِي الْحَرَامِ وَالْبَاطِلِ ، وَالْإِقْتَارُ مَنْعُ الْحَقِّ الْوَاجِبِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْأَظْهَرُ فِي الْآيَةِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ .
قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا الْآيَةَ ، أَيْ : لَيْسُوا مُبَذِّرِينَ فِي إِنْفَاقِهِمْ ، فَيَصْرِفُوا فَوْقَ الْحَاجَةِ ، وَلَا بُخَلَاءَ عَلَى أَهْلِيهِمْ ، فَيُقَصِّرُوا فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَكْفُوهُمْ بَلْ عَدْلًا خِيَارًا ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا ، لَا هَذَا وَلَا هَذَا ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ، أَيْ : بَيْنَ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنَ الْإِسْرَافِ وَالْقَتْرِ قَوَامًا أَيْ : عَدْلًا وَسَطًا سَالِمًا مِنْ عَيْبِ الْإِسْرَافِ وَالْقَتْرِ .
وَأَظْهَرُ أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ عِنْدِي فِي الْآيَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ
الْقُرْطُبِيُّ ، قَالَ : قَوَامًا خَبَرُ
[ ص: 76 ] كَانَ ، وَاسْمُهَا مُقَدَّرٌ فِيهَا ، أَيْ : كَانَ الْإِنْفَاقُ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْقَتْرِ قَوَامًا ، ثُمَّ قَالَ : قَالَهُ
الْفَرَّاءُ ، وَبَاقِي أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ بِوَجِيهٍ عِنْدِي ; كَقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ لَفْظَةَ بَيْنَ هِيَ اسْمُ كَانَ ، وَأَنَّهَا لَمْ تُرْفَعْ لِبِنَائِهَا بِسَبَبِ إِضَافَتِهَا إِلَى مَبْنِيٍّ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ بَيْنَ هِيَ خَبَرُ كَانَ ، وَ قَوَامًا حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لَهُ ، وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُمَا خَبَرَانِ ، كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَجِيهٍ عِنْدِي ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18898_19247التَّوَسُّطَ فِي الْإِنْفَاقِ الَّذِي مَدَحَهُمْ بِهِ شَامِلٌ لِإِنْفَاقِهِمْ عَلَى أَهْلِيهِمْ ، وَإِنْفَاقِهِمُ الْمَالَ فِي أَوْجُهِ الْخَيْرِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَوْصَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ الْآيَةَ [ 17 \ 29 ] فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ، أَيْ : مُمْسِكَةً عَنِ الْإِنْفَاقِ إِمْسَاكًا كُلِّيًّا ، يُؤَدِّي مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا : وَلَمْ يَقْتُرُوا . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ، يُؤَدِّي مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67لَمْ يُسْرِفُوا ، وَأَشَارَ تَعَالَى إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا [ 17 \ 26 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ الْآيَةَ [ 2 \ 219 ] عَلَى أَصَحِّ التَّفْسِيرَيْنِ .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=3وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [ 2 \ 3 ] .