الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            باب ما يحرم من النكاح عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق " .

                                                            التالي السابق


                                                            باب ما يحرم من النكاح الحديث الأول عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته لرجل على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق " (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه الأئمة الستة من طريق مالك وليس في رواية أبي داود والترمذي تفسير الشغار وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق عبيد الله بن عمر وفيه قلت لنافع : ما الشغار ؟ قال " ينكح ابنة الرجل وينكحه ابنته بغير صداق ، وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير صداق " وليست هذه الزيادة عند النسائي وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد الرحمن السراج بدون تفسير الشغار ومن طريق أيوب بلفظ لا شغار في الإسلام كلهم عن نافع عن ابن عمر .

                                                            (الثانية) ظاهر أن تفسير الشغار من تتمة المرفوع وتقدم أن في رواية عبيد الله بن عمر أنه من قول نافع فيكون حينئذ مدرجا في رواية مالك وقال الشافعي رحمه الله : لا أدري تفسير الشغار في الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم أو من ابن عمر أو من نافع أو من مالك حكاه عنه البيهقي في [ ص: 22 ] المعرفة وقال الرافعي : قال الأئمة وهذا التفسير يجوز أن يكون مرفوعا ويجوز أن يكون من عند ابن عمر وقال ابن عبد البر كلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار ما تقدم . انتهى .

                                                            وظاهر هذه العبارة أن التفسير لمالك ويحتمل أن مرادهم أنهم ذكروا ذلك عن مالك في روايته ثم إن هذا منتقض بالقعنبي ومعن بن عيسى فإنهما لم يذكرا التفسير في روايتهما عن مالك رواه عن الأول أبو داود ومن طريق الثاني الترمذي لكن رواه النسائي من طريق معن بن عيسى عن مالك وفيه هذا التفسير ، وروى هذا الحديث مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وفيه تفسير الشغار موصولا بالحديث ، ورواه النسائي فجعله من قول عبيد الله

                                                            وكلام ابن حزم يقتضي أن التفسير مرفوع في حديث ابن عمر وفي حديث أبي هريرة تمسكا بظاهر اللفظ وهو الحق إلا أن يقوم دليل على الإدراج .

                                                            وقال أبو العباس القرطبي : جاء تفسير الشغار في حديث ابن عمر من قول نافع وفي حديث أبي هريرة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي مساقه وظاهره الرفع ، ويحتمل أن يكون تفسيرا من أبي هريرة أو غيره وكيف ما كان فهو تفسير صحيح موافق لما حكاه أهل اللسان فإن كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المقصود وإن كان من قول صحابي فمقبول ؛ لأنهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال .

                                                            (الثالثة) قوله : نهى عن الشغار ، أي عن نكاح الشغار وهو مصرح به في رواية ابن وهب عن مالك حكاه ابن عبد البر وكان الشغار من أنكحة الجاهلية .

                                                            (الرابعة) اعتبر في الحديث في تفسير الشغار وصفين :

                                                            (أحدهما) اشتراط أن يزوجه الآخر ابنته :

                                                            (والثاني) أن لا يكون بينهما صداق ، وقد اختلف العلماء في صورة نكاح الشغار ونشأ اختلافهم في ذلك من اختلافهم في المعنى الذي اقتضى بطلانه فأكثر الشافعية على أن المقتضى للبطلان التشريك في البضع فإن بضع كل من المرأتين قد جعل موردا للعقد وصداقا للأخرى واستنبطوا هذا من قوله : وليس بينهما صداق ، ولم يجعلوا المقتضي للبطلان عدم الصداق ؛ لأن تسمية الصداق عندهم غير واجبة وإنما المقتضي للبطلان جعل البضع صداقا وذلك مخالف لا يراد عقد النكاح عليه [ ص: 23 ] فخرجوا عن ظاهر الحديث في الوصفين معا اشتراط تزويج الآخر ابنته له فإنه باطل عندهم ، وإن لم يجر شرط بل قال : زوجتك بنتي وتزوجت بنتك وقال الآخر مثله وصححوا البطلان ، ولو سميا مع ذلك صداقا كما سيأتي والمعنى المقتضي للبطلان عندهم أن يقول : على أن يكون بضع كل واحدة صداقا للأخرى فهذا مستقل عندهم بالإبطال للمعنى الذي قدمناه عنهم وهو التشريك في البضع وجعلوا هذا المعنى مستنبطا من الأمرين المذكورين في الحديث فإن اشتراط أن يزوجه الآخر بنته وعدم ذكر الصداق يدل على أنه مع العقد على البضع جعله صداقا للأخرى فجعلوا هذا المعنى المستنبط هو المعتبر وعملوا بالوصفين بهذا الطريق وإن ألغوهما بحسب الظاهر فلم يجعلوا خصوصية الشرط ولا خصوصية ترك تسمية الصداق معتبرة .

                                                            وإنما المعتبر ما دلا عليه من التشريك في البضع وقصروا الإبطال على ما إذا صرح بذلك ، فلو قال كل واحد : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وقبل الآخر ولم يصرحا بجعل البضع صداقا صح على أصح الوجهين عند الرافعي والنووي ، لكن نص الشافعي على البطلان في هذه الصورة وهو ظاهر الحديث ولفظه إذا نكح الرجل ابنة الرجل أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى أو على أن ينكحه الأخرى ولم يسم لواحدة منهما صداقا فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل النكاح وهو مفسوخ حكاه عنه البيهقي في المعرفة ثم قال وهو يوافق التفسير المنقول في الحديث الصحيح .

                                                            وخص إمام الحرمين هذين الوجهين بما إذا كانت الصيغة هذه ولم يذكر مهرا وقطع بالصحة فيما لو قال : زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك وقال : ليس الفرق لذكر المهر بل ؛ لأنه روي في بعض الطرق إثبات أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه صاحبه ابنته ؛ ففسر بهذا القدر من غير مزيد .

                                                            قال الرافعي : ولك أن تقول هذا التفسير حاصل سواء ذكر المهر أو لم يذكره وليس فيه تعرض لترك المهر كما ليس فيه تعرض لذكره فلا يصلح مستندا للفرق . انتهى .

                                                            ولو صرح مع جعل البضع صداقا بتسمية مهر بطل على الأصح عند أصحابنا [ ص: 24 ] وعليه نص الشافعي في الإملاء وهو ظاهر نصه في المختصر ولذلك حكاه عنه ابن عبد البر وابن حزم فظهر بذلك أن المدار عندهم على التشريك في البضع خاصة .

                                                            ولو قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع بنتك صداق لبنتي فقيل : صح الأول وبطل الثاني ، ولو قال : وبضع بنتي صداق لبنتك بطل الأول وصح الثاني قال الشافعي رضي الله عنه بعد تفسير الشغار : كأنه يقول : صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى حكاه عنه البيهقي في المعرفة ثم قال : والظاهر أن هذا تأويل من الشافعي للتفسير الذي رواه في حديث مالك قال : وقد روي عن نافع بن يزيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وفيه من الزيادة والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق ؛ بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه ، قال : فيشبه إن كانت هذه الرواية صحيحة أن يكون هذا التفسير من قول ابن جريج أو من فوقه . والله أعلم .

                                                            قال القفال من الشافعية : العلة في بطلانه التعليق والتوقيف فكأنه يقول : لا ينعقد لك نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك ، ومقتضى هذا أنه لا بد أن يقول فيه : ومهما انعقد نكاح بنتي انعقد نكاح بنتك ؛ ولهذا قال الغزالي في الوسيط : صورته الكاملة أن يقول : زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك ، قال الرافعي : وهذا فيه تعليق وشرط عقد في عقد وتشريك في البضع .

                                                            قال الإمام والدي رحمه الله في شرح الترمذي : وينبغي أن يزاد وأن لا يكون مع البضع صداقا آخر للخلاف المتقدم فيما إذا ذكر مع البضع صداقا آخر . انتهى .

                                                            وذكر الشيخ تقي الدين مثل كلام الغزالي والرافعي وزاد أن في هذه الصورة اشتراط عدم الصداق وهو مفسد عند مالك .

                                                            (قلت) وإنما يكون فيه ذلك إذا لم يذكر مع البضع صداقا آخر فهذه الزيادة التي ذكرها والدي رحمه الله متعينة ، والله أعلم .

                                                            وقد أشار الرافعي إلى الاعتراض على التعليل بالتشريك في البضع بأن المفسد هو التشريك من جهة واحدة وذلك إذا زوجتا من رجلين وهنا للتشريك بجهتين مختلفتين وأمكن أن يلحق بما إذا زوج أمته ثم باعها أو صدقها امرأة . انتهى .

                                                            وقال الخطابي كان ابن أبي هريرة [ ص: 25 ] يشبهه برجل تزوج امرأة واستثنى عضوا من أعضائها وهو ما لا خلاف في فساده ؛ لأن كل واحد منهما قد زوج وليته واستثنى بضعها حين جعله مهرا لصاحبتها قال : وعلله بعضهم بأن المعقود له معقود به وذلك لأن العقد لها وبها فصار كالعبد تزوج على أن تكون رقبته صداقا للمرأة . انتهى .

                                                            وهذا المحكي عن ابن أبي هريرة وعن بعضهم هو المعبر عنه بالتشريك في البضع إلا أنه عبر عن ذلك بعبارة أخرى ، وقد ذكر الرافعي هذا المحكي عن بعضهم حين ذكر التعليل بالتشريك في البضع فقال : وربما شبه بهذا قال : كما لا يجوز أن يكون الرجل ناكحا وصداقا لا يجوز أن تكون المرأة منكوحة وصداقا ، ثم اعترضه الرافعي بأن سبب البطلان في هذه الصورة ملك الزوجة الزوج ، وهذا معنى لو عرض رفع النكاح فإذا قارن ابتداء منع الانعقاد . انتهى .

                                                            وقال الرافعي في تعليل القفال بالتعليق والتوقيف : إن اقتضاء التعليق والتوقيف البطلان ظاهر ولكن ليس في صورة نكاح الشغار المشهور لفظه تعليق وإنما هي على لفظ الاشتراط ثم قال : ويشبه أن يقال : كان العرب يفهمون منه التعليق إذ يستعملون لفظه . انتهى .

                                                            وقد ظهر بذلك اختلاف الشافعية في تعليل البطلان هل هو التشريك في البضع أو الشرط أو الخلف عن المهر أو التعليق والتوقيف فهذه أربعة أقوال ، والأقوال الثلاثة الأولى عند الحنابلة وصحح ابن تيمية في المحرر الأول ، وبالثاني قال الخرقي وعلى الثالث نص أحمد .

                                                            وعبارة ابن تيمية في المحرر ومن زوج وليته من رجل على أن يزوجه الآخر وليته فأجابه ولا مهر بينهما لم يصح العقد ويسمى نكاح الشغار وإن سمى مهرا صح العقد بالمسمى نص عليه ، وقال الخرقي : لا يصح أصلا ، وقيل : إن قال فيه : وبضع كل واحدة مهر الأخرى لم يصح وإلا صح وهو الأصح ، وذكر ابن عبد البر في التمهيد أن جملة أصحاب مالك كلهم ذكر عن مالك في تفسيره أنه الرجل يزوج أخته أو وليته من رجل آخر على أن يزوج ذلك الرجل منه ابنته أو وليته ويكون بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى دون صداق قال : وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أنه الشغار المنهي عنه في هذا الحديث ، ثم قال بعد ذلك بيسير : إن الشغار في الشريعة أن ينكح الرجل رجلا وليته على أن ينكحه [ ص: 26 ] الآخر وليته بلا صداق بينهما على ما قاله مالك وجماعة الفقهاء ، وكذلك ذكره الخليل بن أحمد . انتهى .

                                                            فلم يذكر في الكلام الثاني أن يكون بضع كل واحدة صداقا للأخرى وعبارة ابن شاس في الجواهر ونكاح الشغار يفسخ أبدا على الأصح وإن ولدت الأولاد وهو مثل زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي ولا مهر بينهما فإن سمى شيئا فيهما أو في أحدهما فسخ ما سمى قبل البناء وفسخ الآخر أبدا وجعل الظاهرية ومنهم ابن حزم علة البطلان الشرط فصوروه بأن يتزوج هذا ولية هذا على أن يزوجه الآخر وليته ، وقالوا : لا فرق بين أن يذكر مع ذلك صداقا أم لا وتمسكوا في ذلك بحديث أبي هريرة فإنه لم يذكر فيه في تفسير الشغار ما ذكره في حديث ابن عمر من قوله : ليس بينهما صداق وقالوا : إن في حديث أبي هريرة زيادة يجب الأخذ بها ، وقال الشيخ تقي الدين قوله : ولا صداق بينهما يشعر بأن جهة الفساد ذلك وإن كان يحتمل أن ذكر ذلك لملازمته لجهة الفساد على الجملة ففيه إشعار بأن عدم الصداق له مدخل في النهي .

                                                            (الخامسة) حمل أكثر العلماء هذا النهي على التحريم وقالوا ببطلان النكاح وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وذهب ابن القاسم إلى أنه يفسخ قبل الدخول ولا يفسخ بعده وهو رواية عن مالك وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى صحته ويجب مهر المثل وحكاه ابن المنذر عن عطاء وعمرو بن دينار ومكحول والزهري والثوري وأصحاب الرأي وحكاه ابن عبد البر وابن حزم عن الليث بن سعد وقال النووي في شرح مسلم هو رواية عن أحمد وإسحاق وبه قال أبو ثور وابن جرير والذي حكاه ابن المنذر عن أبي ثور البطلان ، والذي حكاه ابن حزم عن عطاء أيضا البطلان .

                                                            وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز واختلفوا في صحته وكذا قال النووي أجمع العلماء على أنه منهي عنه لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا فحكى الخلاف في إبطاله وصحته ، وكذا قال أبو العباس القرطبي : لا خلاف بين العلماء في منع الإقدام عليه لكن اختلفوا فيما إذا وقع هل يفسخ ؟ وكذا قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة اتفق العلماء على المنع منه وتبعهم والدي رحمه الله في شرح الترمذي [ ص: 27 ] فحكى إجماع العلماء على تحريمه وفيما ذكروه نظر فإن أبا حنيفة ومن قال بقوله يقولون بجوازه وقد عبر ابن عبد البر والبيهقي والخطابي في حكاية هذا المذهب بالجواز وكذا عبر به صاحب الهداية من الحنفية ويوافق هذا أن المقرر في الأصول أن النهي يشتمل التحريم والكراهة ، والذي هو حقيقة في التحريم إنما هو صيغة افعل ، ويمكن أن يقال : أراد هؤلاء بالجواز الصحة وقد يقال : سلمنا أن النهي للتحريم لكن لا يلزم من ذلك البطلان ، فإن الذي حكاه الإمام فخر الدين الرازي في المحصول عن أكثر الفقهاء أن النهي لا يقتضي الفساد فهلا صح وبطل المسمى كما قالوا في المهر الفاسد ، وجواب ذلك في قول الشافعي رحمه الله أن النساء محرمات إلا ما أحل الله من نكاح أو ملك يمين فلا يحل المحرم من النساء بالمحرم من النكاح ، والشغار محرم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وهكذا كل ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من نكاح لم يحل به المحرم . انتهى .

                                                            ويدل على البطلان قوله عليه الصلاة والسلام لا شغار في الإسلام وهو في صحيح مسلم كما تقدم وفي سنن أبي داود من طريق محمد بن إسحاق قال : حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته ، وأنكحه عبد الرحمن بنته وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما ، وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله وكانا جعلا صداقا هو بضم الجيم مبني للمفعول أي ذلك الفعلان أو النكاحان وقد ضبطناه كما ذكرته بالضم في سنن البيهقي الكبرى ويدل عليه أن في معالم السنن للخطابي في هذا الحديث وكانا جعلاه صداقا بزيادة ضمير وفهم ابن حزم من اللفظ الأول أنهما سميا مع ذلك صداقا فيرد به على من قال من الشافعية : إنه لو سمى مع ذلك صداقا صح قال : فهذا معاوية بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف يفسخ هذا النكاح وإن ذكرا فيه الصداق ويقول الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع الإشكال . انتهى .

                                                            وفيه نظر لما عرفته .

                                                            (السادسة) لا يخفى أن ذكر البنت في هذا الحديث مثال فكل مولية كذلك ، وقد عرفت أن في بعض الروايات ذكر الأخت أيضا .

                                                            وقال النووي في شرح مسلم : أجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات [ ص: 28 ] الأخ والعمات وبنات الأعمام والإماء كالبنات في هذا . انتهى .

                                                            وليست صورة الإماء أن يقول : زوجتك جاريتي على أن تزوجني جاريتك فإن هذا باطل من جهة أخرى ، وهي أن شرط نكاح الأمة أن لا يكون في ملكه جارية ولا صورته زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك فقد ذكر ابن الصباغ من الشافعية أن النكاحين فيها صحيحا ؛ لأنه لا تشريك فيما يرد عليه عقد النكاح ويفسد الصداق ويجب لكل واحدة مهر المثل حكاه عنه الرافعي والنووي ، ثم قالا : ويجيء على معنى التعليق والتوقيف أن يحكم ببطلان النكاحين . انتهى .

                                                            وقد عرفت أن معنى التعليق والتوقيف مرجوح عند أصحابنا وإنما صورتها زوجتك أمتي على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى وليس في هذا التصوير أمة من الجانبين بل من جانب واحد . والله أعلم .

                                                            (السابعة) قال النووي : قال العلماء : الشغار بكسر الشين المعجمة وبالغين المعجمة أصله في اللغة الرفع يقال : شغر الكلب إذا رفع رأسه ليبول كأنه قال : لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك . انتهى .

                                                            وقال صاحب النهاية قيل له : شغار لارتفاع المهر بينهما من شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول . انتهى .

                                                            وحكى الخطابي هذا عن بعضهم ثم قال : وهذا القائل لا ينفصل ممن قال بل سمي شغارا ؛ لأنه رفع العقد من أصله فارتفع النكاح والمهر معا ويبين لك أن النهي قد انطوى على الأمرين معا أن البدل هنا ليس شيئا غير العقد ولا العقد شيئا غير البدل فهو إذا فسد مهرا فسد عقدا وإذا أبطلته الشريعة فإنما أفسدته على الجهة التي كانوا يوقعونه وكانوا يوقعونه مهرا وعقدا فوجب أن يفسدا معا . انتهى .

                                                            فهذه ثلاثة أقوال على تفسير الشغار بالرفع قال الرافعي وفي بعض الشروح إن الكلب إذا كان يبول حيث يصل من غير مبالاة قيل : شغر الكلب برجله فسمي شغارا لعدم المبالاة فيه بالمهر وقال ابن عبد البر للشغار في اللغة معنى لا مدخل لذكره هنا وذلك أنه مأخوذ عندهم من شغار الكلب إذا رفع رجله ليبول وذلك زعموا ألا يكون منه إلا بعد مفارقة الصغر على حال يمكن فيها طلب الوثوب على الأنثى للنسل [ ص: 29 ] وهو عندهم للكلب إذا فعله علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال ولا يرفع رجله للبول إلا وهو قد بلغ ذلك المبلغ يقال منه : شغر الكلب إذا رفع رجله فبال أم لم يبل ، ويقال شغرت المرأة أشغرها شغرا إذا رفعت رجلها للنكاح . انتهى .

                                                            ثم قال النووي وقيل : هو من شغر الكلب إذا خلا لخلوه عن الصداق . انتهى .

                                                            قال الرافعي : ويقال لخلوه عن بعض الشروط وقال صاحب النهاية بعد كلامه المتقدم وقيل : الشغر البعد وقيل : الاتساع . انتهى .

                                                            فهذه ثلاثة أقوال غير ما تقدم وهي الخلو والبعد والاتساع وعبر القاضي عياض في المشارق بقوله وقيل من رفع الصداق فيه وبعده منه . انتهى .

                                                            وهذا يقتضي رجوع البعد إلى المعنى المشهور وهو الرفع والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية