عن ابن عمر قال : " فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصلي العصر حتى نأتيها . وقال بعضهم : بل نصلي ، لم يرد منا ذلك . فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن عمه عبيد الله أخبره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " . اختلاف العلماء في المصيب من الصحابة في صلاة العصر يوم قريظة وقد اختلف العلماء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب ، وضع عنه اللأمة واغتسل واستجمر ، فتبدى له جبريل عليه السلام ، فقال : عذيرك من محارب ، ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد . قال : فوثب النبي صلى الله عليه وسلم فزعا ، فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا بني قريظة . قال : فلبس الناس السلاح ، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس ، فاختصم الناس عند غروب الشمس ، فقال بعضهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة ، فإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس علينا إثم . وصلى طائفة من الناس احتسابا ، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس ، فصلوها حين جاءوا بني قريظة احتسابا ، فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين من هو ؟ بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور ، غير معنف ؛ فقالت طائفة من العلماء : الذين أخروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر لها ، حتى صلوها في بني قريظة هم المصيبون ؛ لأن أمرهم يومئذ بتأخير الصلاة خاص ، فيقدم على عموم الأمر بها في وقتها المقدر لها شرعا . قال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتابه " السيرة " : وعلم الله أنا لو كنا هناك ، لم نصل العصر إلا في بني قريظة ، ولو بعد أيام . وهذا القول منه ماش على قاعدته الأصلية في الأخذ بالظاهر . وقالت طائفة أخرى من العلماء : بل الذين صلوا الصلاة في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرهم ، هم المصيبون ؛ لأنهم فهموا أن المراد إنما هو تعجيل السير إلى بني قريظة ، لا تأخير الصلاة ، فعملوا بمقتضى الأدلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها ، مع فهمهم عن الشارع ما أراد ، ولهذا لم يعنفهم ، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت إليه يومئذ ، كما يدعيه أولئك ، وأما أولئك الذين أخروا ، فعذروا بحسب ما فهموا وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء ، وقد فعلوه . وأما على قول من يجوز المصيب من الصحابة يومئذ ، فإن قيل : كان تأخير الصلاة لعذر القتال حينئذ جائزا مشروعا ، ولهذا كان عقب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم العصر يوم الخندق إلى الليل ، فتأخيرهم صلاة العصر إلى الليل ، كتأخيره صلى الله عليه وسلم لها يوم الخندق إلى الليل سواء ، ولا سيما أن ذلك كان قبل شروع صلاة الخوف . تأخير الصلاة للجهاد
قيل : هذا سؤال قوي ، وجوابه من وجهين .
أحدهما : أن يقال : لم يثبت أن كان جائزا بعد بيان المواقيت ، ولا دليل على ذلك إلا قصة الخندق ، فإنها هي التي استدل بها من قال ذلك ، ولا حجة فيها لأنه ليس فيها بيان أن التأخير من النبي صلى الله عليه وسلم كان عن عمد ، بل لعله كان نسيانا ، وفي القصة ما يشعر بذلك ، فإن عمر لما قال له : ( تأخير الصلاة عن وقتها . يا رسول الله! ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله ما صليتها ) ثم قام فصلاها
وهذا مشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان ناسيا بما هو فيه من الشغل ، والاهتمام بأمر العدو المحيط به ، وعلى هذا يكون قد أخرها بعذر النسيان ، كما أخرها بعذر النوم في سفره ، وصلاها بعد استيقاظه ، وبعد ذكره لتتأسى أمته به .
والجواب الثاني : أن هذا على تقدير ثبوته إنما هو في حال الخوف والمسايفة عند الدهش عن تعقل أفعال الصلاة ، والإتيان بها ، والصحابة في مسيرهم إلى بني قريظة ، لم يكونوا كذلك ، بل كان حكمهم حكم أسفارهم إلى العدو قبل ذلك وبعده ، ومعلوم أنهم لم يكونوا يؤخرون الصلاة عن وقتها ، ولم تكن قريظة ممن يخاف فوتهم ، فإنهم كانوا مقيمين بدارهم ، فهذا منتهى أقدام الفريقين في هذا الموضع .