الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1013 [ ص: 94 ]

حديث موف سبعين ليحيى بن سعيد

مالك عن يحيى بن سعيد قال : لما كان يوم أحد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من يأتني بخبر سعد بن الربيع الأنصاري فقال رجل : أنا يا رسول الله ، فذهب الرجل يطوف بين القتلى ، فقال له سعد بن الربيع ما شأنك ؟ فقال الرجل : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآتيه بخبرك ، قال : فاذهب إليه فأقرئه ( مني ) السلام ، وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة ، وأني قد أنفذت مقاتلي ، وأخبر قومك أنهم لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وواحد منهم حي .

التالي السابق


هذا الحديث لا أحفظه ، ولا أعرفه إلا عند أهل السير ، فهو عندهم مشهور معروف .

ذكر ابن إسحاق قال : لما انصرف أبو سفيان ومن معه من أحد ، ووجهوا إلى مكة فزع الناس إلى قتلاهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل ، فنظر فوجده جريحا في القتلى ، وبه رمق ، قال : فقلت له : إن رسول الله [ ص: 95 ] - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أنظر أفي الأحياء أم في الأموات ؟ قال : أنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني السلام ، وقل له : إن سعد بن الربيع يقول : جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ، ومنكم عين تطرف ، قال : ثم لم أبرح حتى مات ، قال : فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته خبره ، قال ابن إسحاق : حدثني بخبره هذا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أحد بني النجار .

وقال ابن هشام : حدثني أبو بكر الزبيري أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق وبنت لسعد بن الربيع جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها ، فقال رجل : من هذه ؟ قال : بنت رجل خير مني سعد بن الربيع كان من النقباء يوم العقبة ، وشهد بدرا ، واستشهد يوم أحد .

قال أبو عمر :

تخلف سعد بن الربيع - رحمه الله - ابنتين اثنتين ، وبهما عرفت السنة ، والمراد من كتاب الله - عز وجل - في ميراث الابنتين ; لأن القرآن إنما نطق بقوله : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف فأخبره بميراث الواحدة ، وميراث ما فوق الاثنين ، ولم يذكر الاثنتين ، فلما أعطى رسول الله [ ص: 96 ] - صلى الله عليه وسلم - ابنتي سعد بن الربيع الثلثين ، علم أن مراد الله - عز وجل - أن ميراث الاثنتين من البنات كميراث ما فوقهن من العدد لا كميراث الواحدة ، فكأنه قال - عز وجل - فإن كن نساءا اثنتين فما فوقهما ، فلهن الثلثان ، وقد قيل إن ذلك أخذ قياسا ، واعتبارا بالأختين ، وهذا - والحمد لله - إجماع ، وإن اختلف في السبب ، وقد قيل إن قوله : فوق اثنتين معناه اثنتين كما قال : فوق الأعناق يريد الأعناق .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا إسحاق بن عيسى - يعني ابن الطباع قال : حدثنا عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : إن امرأة من الأنصار أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بابنتي سعد بن الربيع فقالت : يا رسول الله سعد بن الربيع قتل يوم أحد شهيدا ، فأخذ عمهما كل شيء من تركته ، فلم يدع لهما من مال أبيهما قليلا ، ولا كثيرا ، والله ما لهما مال ، ولا ينكحان إلا ولهما مال ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيقضي الله في ذلك ما شاء فنزلت السورة يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف [ ص: 97 ] الآية .

فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمهما فقال : أعط هاتين الجاريتين الثلثين مما ترك أبوهما ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك
.

قال أبو يعقوب : وهذا القول الذي ليس فيه اختلاف أبو يعقوب هذا هو إسحاق بن الطباع .




الخدمات العلمية