الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث بالسوية ، ولا يدخل فيه ولد البنات ، وهل يدخل فيه ولد البنين ؛ على روايتين ، وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين ، ونقل عنه : لا يدخل فيه ولد البنات ، ونقل عنه في الوصية : يدخلون فيه . وذهب إليه بعض أصحابنا ، وهذا مثله ، وقال أبو بكر وابن حامد : يدخلون فيه إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي ، فلا يدخلون ، وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة ، إلا أن يكونوا قبيلة ، فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن وقف على ولده ) أو أولاده أو على أولاد فلان ( ثم على المساكين ، فهو لولده الذكور والإناث ) والخناثى ; لأن اللفظ يشملهم ( بالسوية ) ؛ لأنه شرك بينهم ، وإطلاقها يقتضي التسوية ، كما لو أقر لهم بشيء ، وكولد الأم في الميراث ، ولا يدخل فيه الولد المنفي باللعان ; لأنه لا يسمى ولدا ، ولا يستحق منه حمل إلا بعد انفصاله ; لأنه لا يسمى ولدا قبل انفصاله ، فيستحق من ثمر وزرع ، كمشتر ، نقله المروذي ، وقطع به في " المغني " وغيره ، ونقل جعفر : يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد ، قطع به في " المبهج " . وقال الشيخ تقي الدين : الثمرة للموجود عند التأبير وبدو الصلاح ، ويشبه الحمل إن قدم إلى ثغر موقوف عليه فيه ، أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه ، نقله يعقوب ، وقياسه من نزل في مدرسة ونحوه ، واختار شيخنا يستحق بحصته من مغلة ، وأن من جعله كالولد فقد أخطأ ، ذكره في " الفروع " ، ( ولا يدخل فيه ولد البنات ) بغير خلاف ، قاله في " المغني " [ ص: 339 ] و " الشرح " ؛ لعدم دخولهم في قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم [ النساء : 11 ] ، ولقول الشاعر :


                                                                                                                          بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

                                                                                                                          لأن ولد الهاشمية ليس بهاشمي ، ولا ينسب إلى أبيها شرعا ولا عرفا ، وبهذا علل أحمد ، فقال : لأنهم من رجل آخر ، وقيل : شملهم لدخولهم في مسمى الأولاد ( وهل يدخل ولد البنين ، على روايتين ) ، كذا في " المحرر " و " الفروع " ، أحدهما ، وجزم بها في " الوجيز " يدخلون لدخولهم في قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم وحينئذ يشمل ولد البنين وإن سفلوا ; لأنه ولد ؛ لقوله تعالى : يا بني آدم [ الأعراف : 26 ] يا بني إسرائيل [ البقرة : 40 ] ، ولقوله عليه السلام : ارموا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان راميا ، ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين ، فكذا إذا لم يكونوا قبيلة ، وحينئذ يستحقون في الوقف بعد آبائهم مرتبا ، وظاهره يشمل الموجودين ومن سيوجد ، وفيه رواية ، وهذا ما لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك ، والثانية لا يدخلون ، اختارها القاضي وأصحابه ; لأن ولده حقيقة ولد صلبه ، والكلام لحقيقته ، وإنما يسمى ولد الولد ولدا مجازا بدليل صحة النفي ، إلا أن يقترن به ما يدل على إدخالهم ، كقوله : وقفت على أولادي ؛ لولد الذكور الثلثان ، ولولد الإناث الثلث ، وآية الميراث دلت قرينة على إرادة الولد وإن سفل ، فحمل اللفظ على حقيقته ومجازه .

                                                                                                                          ( وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين ) [ ص: 340 ] بغير خلاف علمناه ; لأنه ولد ولده حقيقة وانتسابا ( ونقل عنه : لا يدخل فيه ولد البنات ) ؛ لأنه قال فيمن وقف على ولده : ما كان من ولد البنات فليس لهم شيء ، فهذا النص يحتمل تعديته إلى هذه المسألة ، ويحتمل أن يكون مقصورا على من وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده ، والمنع اختاره القاضي في " التعليق " و " الجامع " ، والشيرازي ، وأبو الخطاب في " خلافه الصغير " وفي " الفروع " ، اختاره الأكثر ، كمن ينسب إلي ، ونص عليها في ولد ولدي لصلبي إلا بقرينة تدل على دخولهم ، ( ونقل عنه في الوصية : يدخلون فيه ، وذهب إليه بعض أصحابنا ، وهذا مثله ) ؛ لأن حكم الوقف والوصية واحد ، والقول بدخولهم هو رواية ثابتة عن أحمد ، قدمها في " المحرر " و " الرعاية " ، واختارها أبو الخطاب في " الهداية " ; لأن البنات أولاده ، فأولادهن أولاد أولاده حقيقة ؛ لقوله تعالى : ومن ذريته داود وإلى قوله : " وعيسى " [ الأنعام : 84 ، 85 ] وهو ولد بنته ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر : إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، يعني الحسن ، رواه البخاري . قال في " الشرح " : والقول بدخولهم أصح وأقوى دليلا . ( وقال أبو بكر وابن حامد : يدخلون فيه ) ، هذا رواية ; لأن ولد البنت يدخل في التحريم الدال عليه قوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ النساء : 23 ] ( إلا أن يقول : على ولد ولدي لصلبي ، فلا يدخلون ) لأنه ليس من صلبه ، وفي الروايتين للقاضي وتبعه في " المغني " أنهما اختارا الدخول مطلقا ، وفي " الخصال " لابن البنا أن ابن حامد اختار الدخول وأبا بكر ما ذكره هنا ، وهو في " المغني " ، القديم . وقيل : إن قال : ولد ولدي لصلبي ، شمل ولد بنيه لصلبه ، وفي " التبصرة " : يشمل في الذرية ، وأن [ ص: 341 ] الخلاف في ولد ولده ، ومحل الخلاف مع عدم القرينة ، أما مع القرينة فالعمل بها ؛ ولهذا قيل في عيسى والحسن إنهما إنما دخلا مع الذكر والكلام مع الإطلاق ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " عن قضية عيسى بأنه لم يكن له نسب ينتسب إليه ، فنسب إلى أمه ، والحسن بأنه مجاز اتفاقا ؛ بدليل قوله تعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم [ الأحزاب : 40 ] .

                                                                                                                          مسألة : إذا قال : على ولدي ، ثم على ولد ولدي ، ثم الفقراء ، لم يشمل البطن الثالث ومن بعده ، في الأشهر ، فإن قال : على ولدي ، فإذا انقرض ولد ولدي فعلى الفقراء - شمل ولد ولده ، وقيل : لا كما لو قال : على ولدي لصلبي ، فلو وقف على ولده فلان وفلان ثم على ولد ولده ، منع ، جزم به في " المغني " وغيره ، وقال القاضي : لا ، ونقله حرب ; لأن قوله : على ولدي يستغرق الجنس ، فيعم ، والتخصيص بقوله : فلان وفلان تأكيد للبعض ، فلا يوجب إخراج البقية ، كالعطف في قوله تعالى : من كان عدوا [ البقرة : 97 ] الآية ، وعلى الأول فيقصر الوقف على المسلمين وأولادهما وأولاد الثالث ، جعلا لتسميتهما بدلا للبعض من الكل ، فاختص الحكم به ، ويجوز أن يكون بدل الكل من الكل ؛ لانطلاق لفظ الولد على الاثنين كانطلاقه على الجميع .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : على أولادي ثم أولادهم ثم الفقراء ، فترتب جملة ، وقيل : إفراد ، وفي " الانتصار " إذا قوبل جمع بجمع اقتضى مقابلة الفرد منه بالفرد من مقابلة لغة ، فعلى هذا قال في " الفروع " : الأظهر استحقاق الولد وإن لم يستحق أبوه شيئا ، قاله شيخنا . ومن ظن أن الوقف كالإرث لم يدري ما يقول [ ص: 342 ] ولهذا لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم لم تحرم الثانية مع وجود الشروط فيه إجماعا ، وقول الواقف : من مات فنصيبه لولده يعم ما استحقه ، وما يستحقه مع صفة الاستحقاق استحقه أولا تكثيرا للفائدة ، ولصدق الإضافة بأدنى ملابسة .

                                                                                                                          تنبيه : إذا قال : من مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته ، والوقف مرتب ، فهو لأهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف ، وكذا إن كان مشتركا بين البطون ، فإن لم يوجد في درجته أحد بطل هذا الشرط ، وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره ، وإن كان الوقف على البطن الأول على أن نصيب من مات منهم عن غير ولد في درجته فخلاف ، والأشهر أنه يستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه ، ونحوهم إلا أن يقول : يقدم الأقرب فالأقرب إلى المتوفى ونحوه ، فيختص بهم ، وليس من الدرجة من هو أعلى منه أو أنزل ، وإن شرط أن نصيب المتوفى عن غير ولد لمن في درجته استحقه أهل الدرجة وقت وفاته ، وكذا من سيولد منهم ، أفتى به الشارح ، وصاحب " الفائق " ، وابن رجب قال : وعلى هذا لو حدث من هو أعلى من الموجودين ، وكان في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى أخذه منهم ، وقوله : من مات فنصيبه لولده ، يشمل الأصل والعائد ، واختار الشيخ تقي الدين الأصل فقط .

                                                                                                                          تتمة : لو قال : هو وقف على أولادي ، ثم أولادهم الذكور والإناث ، ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط ، ثم نسلهم وعقبهم ، ثم الفقراء على أنه من مات منهم وترك ولدا وإن سفل فنصيبه له ، فمات أحد الطبقة الأولى [ ص: 343 ] وترك بنتا ، فماتت ولها أولاد ، فقال شيخنا : ما استحقته قبل موتها لهم ، ويتوجه لا ، ولو قال : من مات عن غير ولد وإن سفل ، فنصيبه لإخوته ثم نسلهم وعقبهم ، عم من أعقب ومن لم يعقب ، ومن أعقب ثم انقطع عقبه ; لأنه لا يقصد غيره ، واللفظ يحتمل ، فوجب الحمل عليه قطعا ، ذكره شيخنا ، ويتوجه نفوذ حكم بخلافه ، ذكره في " الفروع " .

                                                                                                                          ( وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة ) في قول الجمهور ; لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة ؛ لقوله تعالى : أاصطفى البنات على البنين [ الصافات : 53 ] و : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين [ آل عمران : 14 ] و : المال والبنون زينة الحياة الدنيا [ الكهف : 46 ] ولا يدخل فيه الخنثى ; لأنه لا يعلم كونه ذكرا ، وعكسه لو وقف على بناته اختص بهن ، ولا شيء للذكور ولا للخناثى ; لأنه لا يعلم كونه أنثى ، لا نعلم فيه خلافا ، ( إلا أن يكونوا قبيلة ) كبيرة ، قاله في " الرعاية " كبني هاشم ، وتميم ، وقضاعة ( فيدخل فيه النساء ) ؛ لقوله تعالى : ولقد كرمنا بني آدم [ الإسراء : 70 ] ؛ ولأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها ، وروي أن جواري من بني النجار قلن :


                                                                                                                          نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار

                                                                                                                          ويقال : امرأة من بني هاشم . ( دون أولادهن من غيرهم ) ، وحكاه في " الرعاية " قولا ; لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة الموقوف عليها بل إلى غيرها ، وكما لو قال : المنتسبين إلي ، واقتضى ذلك دخول أولادهن منهم ، وهو ظاهر لدخول الانتساب حقيقة ، ولا يشمل مواليهم ، وعلى الأول يكفي واحد منهم ، وقيل : بل ثلاثة ، ويأخذ كل واحد ما رآه الناظر ، وقيل : بل قدر حقه من [ ص: 344 ] الزكاة مع فقره ، كالوقف على الفقراء .



                                                                                                                          الخدمات العلمية