الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1322 [ ص: 104 ] حديث ثالث وسبعون ليحيى بن سعيد

مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعدين أن يبيعا آنية من ذهب أو فضة ، فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا ، أو كل أربعة بثلاثة عينا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أربيتما فردا

التالي السابق


وهذا الحديث لا أعلمه يستند بهذا اللفظ في ذكر السعدين ، وقد رواه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة ولم يذكر مالك عبد الله بن أبي سلمة وعنه رواه يحيى بن سعيد .

ذكر ابن وهب قال : أخبرني الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر ، جعل السعدين على المغانم ، فجعلا يبيعان كل أربعة مثاقيل بثلاثة عينا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - أربيتما فردا .

وأحد السعدين : سعد بن مالك هكذا جاء في هذا الإسناد في آخر الحديث أن أحد السعدين سعد بن مالك ولا أعلم في الصحابة سعد بن مالك إلا سعد بن أبي وقاص وأبا سعيد الخدري فأما سعد بن أبي وقاص ، فهو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة أبو إسحاق وأما أبو سعيد الخدري ، فهو سعد بن مالك بن سنان [ ص: 105 ] الأنصاري من بني خدرة ويبعد - عندي - أن يكون أحد السعدين أبا سعيد الخدري لصغر سنه ، والأظهر الأغلب أنه سعد بن أبي وقاص .

وأما الآخر فلم يختلفوا أنه سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي فعلى هذا أحد السعدين مهاجري ، والآخر أنصاري ، وقد قيل : إن السعدين المذكورين في هذا الخبر هما سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وزعم قائل ذلك أنهما السعدان المعروفان في ذلك الزمان ، واحتج بالخبر المأثور أن قريشا سمعوا صائحا يصيح ليلا على أبي قبيس :


فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف



قال : فظنت قريش أنهما سعد بن زيد مناة بن تميم وسعد هذيم من قضاعة ، فلما كان الليلة الثانية ، سمعوا صوتا على أبي قبيس :


أيا سعد سعد الأوس هل كنت ناصرا ويا سعد سعد الخزرجيين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات رفارف



قال : فقالوا هذان ، والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة .

[ ص: 106 ] قال أبو عمر :

هذا غلط لا يجوز أن يكون سعد بن معاذ أحد السعدين المذكورين في هذا الباب ; لأن سعد بن معاذ توفي بعد الخندق بيسير من سهم أصابه يوم الخندق ، ولم يدرك خيبر ، والقول الأول أولى وأصح ، وقد وجدنا ذلك منصوصا .

ذكر يعقوب بن شيبة وسعد بن عبد الله بن الحكم قالا : حدثنا قدامة بن محمد بن قدامة بن خشرم الأشجعي عن أبيه قال : حدثني مخرمة بن بكير عن أبيه ، قال : سمعت أبا كثير جلاح مولى عبد الرحمن أو عبد العزيز بن مروان يقول : سمعت حنشا السبائي عن فضالة ( بن عبيد ) يقول : كنا يوم خيبر فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة فأرادوا أن يبيعوا الدينارين بالثلاثة ، والثلاثة بالخمسة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا إلا مثلا بمثل ، وهذا إسناد صحيح متصل حسن .

وأبو كثير هذا يقال فيه مولى عمر بن عبد العزيز بن مروان ويقال مولى عبد الرحمن بن مروان مصري تابعي ثقة ، روى عنه عمرو بن الحارث وبكير بن الأشج وعبيد الله بن أبي جعفر وسائر الإسناد أشهر من أن يحتاج إلى القول فيه ، فصح أن السعدين سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة وارتفع الشك في ذلك ، والحمد لله .

[ ص: 107 ] وأما عبد الله بن أبي سلمة الذي روى عنه يحيى بن سعيد هذا الحديث ، فقيل إنه عبد الله بن أبي سلمة الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره ، وزعم البخاري أنه عبد الله بن أبي سلمة والد عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون فالله أعلم .

وأما المعنى الذي ورد في هذا الحديث من تحريم الازدياد في الذهب بالذهب ، فمعنى مجتمع عليه عند الفقهاء لا خلاف فيه إلا ما ذكرنا ، عن ابن عباس مما لا وجه له من رد السنة له ، والآثار في هذا الباب كثيرة ، وقد ذكرنا كثيرا منها في مواضع من كتابنا ( هذا ) والحمد لله .

حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن ابن أبي جعفر عن الجلاح أبي كثير قال : حدثني حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر نبايع اليهود الأوقية من الذهب بالدينار ، وقال غير قتيبة بالدينارين والثلاثة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن .

وذكر ابن وهب قال : أخبرني ابن لهيعة عن عامر بن يحيى وخالد ابن أبي عمران عن حنش السبائي عن فضالة بن عبيد قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر نبايع اليهود أوقية الذهب [ ص: 108 ] بالدينارين والثلاثة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عيسى وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع ومحمد بن العلاء قالوا : أخبرنا عبد الله بن المبارك قال : حدثنا سعيد بن يزيد قال : حدثنا خالد بن أبي عمران عن حنش عن فضالة قال : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، وبعضهم قال : عام خيبر بقلادة من ذهب فيها خرز معلقة ، وقال بعضهم : بقلادة فيها خرز وذهب ، ابتاعها رجل بسبعة دنانير ، أو بتسعة دنانير ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا ، حتى تميز ما بينهما . قال : إنما أردت الحجارة قال : لا حتى تميز ما بينهما .




الخدمات العلمية