الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        النوع الثاني : قطع الطرف ، فيجب القصاص بقطع الطرف بشرط إمكان المماثلة ، وأمن استيفاء الزيادة ، ويحصل ذلك بطريقين .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يكون للعضو مفصل توضع عليه الحديدة وتبان ، والمفصل موضع اتصال عضو بعضو على منقطع عظمين ، وقد يكون ذلك بمجاورة محضة ، وقد يكون مع دخول عضو في عضو ، كالمرفق والركبة ، فمن المفاصل الأنامل والكوع والمرفق ومفصل القدم والركبة .

                                                                                                                                                                        فإذا وقع [ ص: 182 ] القطع على بعضها ، اقتص من الجاني .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وفي بعض التعاليق عن شيخي حكاية وجه بعيد في المرفق والركبة ، قال : وأظنه غلطا من المعلق ، ومن المفاصل أصل الفخذ والمنكب ، فإن أمكن القصاص بلا إجافة ، اقتص ، وإلا فلا ، سواء كان الجاني أجاف أم لا ، لأن الجوائف لا تنضبط .

                                                                                                                                                                        وحكى الإمام وجها شاذا أنه يجري القصاص إذا كان الجاني أجاف ، وقال أهل البصر : يمكن أن يقطع ، ويجاف مثل تلك الجائفة .

                                                                                                                                                                        الطريق الثاني : أن يكون للعضو حد مضبوط ينقاد لآلة الإبانة ، فيجب القصاص في فقء العين ، وفي الأذن ، والجفن ، والمارن ، والذكر والأنثيين قطعا ، وفي الشفة واللسان على الصحيح ، وفي الشفرين والإليتين على الأصح عند الأكثرين .

                                                                                                                                                                        ولا قصاص في إطار الشفة بكسر الهمزة وتخفيف الطاء المهملة ، وهو المحيط بها ، لأنه ليس له حد مقدر ، والكلام في قدر الشفتين والشفرين والإليتين يأتي في الديات إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لو قطع بعض الأذن ، أو بعض المارن من غير إبانة ، وجب القصاص على الأظهر ، لإحاطة الهواء بهما ، وإمكان الاطلاع عليهما من [ ص: 183 ] الجانبين ، ويقدر المقطوع بالجزئية ، كالثلث والربع ، لا بالمساحة ، ولو قطع بعض الكوع ، أو مفصل الساق والقدم ، ولم يبن ، فلا قصاص على الأظهر ، لأنها تجمع العروق والأعصاب ، وهي مختلفة الوضع تسفلا وتصعدا ، فلا يوثق بالمماثلة فيها بخلاف المارن ، ولو قطع فلقة من الأذن ، أو المارن ، أو اللسان ، أو الحشفة ، أو الشفة ، وأبانها ، وجب القصاص على الصحيح وتضبط بالجزئية .

                                                                                                                                                                        ولو أبان قطعة من الفخذ ، فلا قصاص ، كذا جزم به الغزالي ، ويشبه أن يجيء فيه خلاف كالباضعة .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        قطع يدا أو عضوا ، وبقي المقطوع متعلقا بجلده ، وجب القصاص ، أو كمال الدية ، لأنه أبطل فائدة العضو ، ثم إذا انتهى العضو في الاقتصاص إلى تلك الجلدة ، فقد فصل القصاص ، ويراجع الجاني أهل الخبرة في تلك الجلدة ، ويفعل مصلحته من القطع والترك .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لا قصاص في كسر العظام ، لعدم الوثوق بالمماثلة ، لكن للمجني عليه أن يقطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر ، ويأخذ الحكومة للباقي ، وله أن يعفو ، ويعدل إلى المال .

                                                                                                                                                                        ولو أوضح رأسه مع الهشم ، فللمجني عليه أن يقتص في الموضحة ، ويأخذ الهشم ما بين أرش الهاشمة والموضحة ، وهو خمس من الإبل ، ولو أوضح ونقل ، فللمجني عليه أن يقتص في الموضحة ، ويأخذ ما بين الموضحة والمنقلة ، وهو عشر من الإبل ، ولو أوضح وأم ، فله أن يوضح ، ويأخذ ما بين الموضحة والمأمومة ، وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث بعير ، لأن في المأمومة ثلث الدية .

                                                                                                                                                                        [ ص: 184 ] فرع .

                                                                                                                                                                        قطعه من الكوع ، فأراد المجني عليه أن يلقط أصابعه ، فليس له ذلك ، فلو بادر وفعله ، عزر ، ولا غرم عليه ، لأنه يستحق إتلاف الجملة ، فلا يلزمه بإتلاف البعض غرم ، كما أن مستحق قتل النفس لو قطع طرف الجاني ، لا غرم عليه .

                                                                                                                                                                        قال البغوي : وهل له أن يعود ويقطع الكف ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، كما أن مستحق النفس لو قطع يد الجاني له أن يعود ويحز رقبته ، ولو طلب حكومتها ، لم يجب ، لأن الكف تدخل في دية الأصابع وقد استوفى الأصابع المقابلة بالدية ، ولو قطع يده من المرفق ، فأراد أن يقطع من الكوع ، أو يقطع أصبعا ، ويرضى بها قصاصا ومالا ، لم يكن له ذلك ، لأنه عدول عن محل الجناية مع القدرة عليه .

                                                                                                                                                                        وقيل : إن رضي بذلك بلا مال ، جاز ، والصحيح الأول ، فلو خالفنا فقطع من الكوع ، عزر ولا غرم لما سبق .

                                                                                                                                                                        ولو أراد بعد ذلك أن يقطع من المرفق ، قال الإمام : لا يمكنه ، وجعله البغوي على وجهين ، ولو طلب حكومة الساعد لم نثبتها له ، كذا نقله الإمام عن الأصحاب ، ونقله البغوي أيضا ، ثم قال : وعندي أنها تثبت .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لو كسر عظم العضد ، وأبان اليد منه ، فللمجني عليه أن يقطع من المرفق ، ويأخذ الحكومة لما بقي ، وإن عفا ، فله دية الكف ، وحكومة للساعد ، وحكومة للمقطوع من العضد ، فلو أراد أن يترك المرفق ، ويقطع من الكوع ، فهل له ذلك ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أرجحهما عند البغوي : يجوز ، لعجزه عن محل الجناية ، ومسامحته ، وأرجحهما عند الروياني وغيره لا ، لأنه عدول عما هو أقرب إلى محل الجناية ولو أراد التقاط الأصابع ، لم يمكن قطعا ، ولو أراد أخذ أصبع واحدة ، فالقياس أنه على الوجهين في قطع الكوع .

                                                                                                                                                                        فإذا قلنا : ليس له القطع من الكوع ، [ ص: 185 ] فقطع ، ثم أراد القطع من المرفق ، لم يكن وليس له حكومة الساعد ، وإن قلنا : له القطع من الكوع ، فقطع ، فله حكومة الساعد على الأصح ، وتجب له حكومة المقطوع من العضد ، هكذا جزم به الأصحاب .

                                                                                                                                                                        وحكى الغزالي فيه وجهين ، والصواب الأول ، لأن استيفاء تلك البقية متعذر شرعا ، ولم يوجد من المجني عليه فيها تقصير وعدول ، ولم أجد هذين الوجهين لغير الغزالي .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لو قطعه من نصف الساعد ، قطع من الكوع وأخذت حكومة نصف الساعد ، فلو عفا ، فله دية الكف ، وحكومة لنصف الساعد ، ولو أراد أن يلتقط أصابعه ، لم يكن ، فلو فعل ، لم يمكن من القطع من الكوع .

                                                                                                                                                                        قال البغوي : وليس له حكومة الكف ، وله حكومة نصف الساعد ، ويجيء في حكومة نصف الساعد الخلاف .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لو قطع يده من نصف الكف ، لم يقتص في الكف ، وله التقاط الأصابع .

                                                                                                                                                                        وإن تعددت الجراحة ، لأنه لا سبيل إلى إهماله ، وليس بعد موضع الجراحة إلا مفاصل متعددة ، وهل تجب مع قطعها حكومة نصف الكف ، أم تدخل الحكومة في قطعها ، كدخولها في استيفاء الدية ؟ وجهان ، أصحهما : الوجوب .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        من " الأم " : لو شق كفه حتى انتهى إلى مفصل ، ثم قطع من [ ص: 186 ] المفصل أو لم يقطع ، اقتص منه إن قال أهل الخبرة : يمكن أن يفعل به مثله .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية