الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرواية بالمعنى .


( 632 ) وليرو بالألفاظ من لا يعلم مدلولها وغيره فالمعظم      ( 633 ) أجاز بالمعنى وقيل لا الخبر
والشيخ في التصنيف قطعا قد حظر      ( 634 ) وليقل الراوي بمعنى أو كما
قال ونحوه كشك أبهما

[ الرواية بالمعنى والخلاف فيها ] : الفصل الثالث : ( الرواية بالمعنى ) والخلاف في ذلك ، والاستحباب لمن روى به أن يأتي بما يدل عليه .

( وليرو بالألفاظ ) التي سمع بها مقتصرا عليها بدون تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقص لحرف فأكثر ، ولا إبدال حرف أو أكثر بغيره ، ولا مشدد بمخفف أو عكسه ، ( من ) تحمل من غير التصانيف ممن ( لا يعلم مدلولها ) أي : الألفاظ في اللسان ، ومقاصدها ، وما يحيل معناها ، والمحتمل من غيره ، والمرادف منها ، وذلك على وجه الوجوب بلا خلاف بين العلماء ; لأن من اتصف بذلك لا يؤمن بتغييره من الخلل .

ألا ترى إلى إسماعيل ابن علية كيف أنكر على شعبة - مع جلالته وإتقانه - روايته بالمعنى عنه [ ص: 138 ] لحديث النهي أن يتزعفر الرجل بلفظ : نهى عن التزعفر . الدال على العموم حيث لم يفطن لما فطن له إسماعيل الذي رواية شعبة عنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ، من اختصاص النهي بالرجال .

( وأما غيره ) ممن يعلم ذلك ويحققه فاختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول .

( فالمعظم ) منهم ( أجاز ) له الرواية ( بالمعنى ) إذا كان قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه ، سواء في ذلك المرفوع أو غيره ، كان موجبه العلم أو العمل ، وقع من الصحابي أو التابعي أو غيرهما ، حفظ اللفظ أم لا ، صدر في الإفتاء والمناظرة أو الرواية ، أتى بلفظ مرادف له أم لا ، كان معناه غامضا أو ظاهرا ، حيث لم يحتمل اللفظ غير ذاك المعنى وغلب على ظنه إرادة الشارع بهذا اللفظ ما هو موضوع له دون التجوز فيه والاستعارة .

وجاء الجواز عن غير واحد من الصحابة ، وعن بعض التابعين قال : لقيت أناسا من الصحابة فاجتمعوا في المعنى واختلفوا علي في اللفظ ، فقلت ذلك لبعضهم فقال : لا بأس به ما لم يحل معناه . حكاه الشافعي .

وقال حذيفة : إنا قوم عرب ، نورد الأحاديث فنقدم ونؤخر . وقال ابن سيرين : كنت أسمع الحديث من عشرة ، المعنى واحد واللفظ مختلف .

[ ص: 139 ] وممن كان يروي بالمعنى من التابعين : الحسن والشعبي والنخعي ، بل قال ابن الصلاح : إنه الذي يشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين ، فكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة ، وما ذاك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ . انتهى .

ولانتشاره أجاب مالك من سأله لم لم تكتب عن الناس وقد أدركتهم متوافرين ؟ بقوله : لا أكتب إلا عن رجل يعرف ما يخرج من رأسه . وكذا تخصيصه ترك الأخذ عمن له فضل وصلاح إذا كان لا يعرف ما يحدث به بكونه كان قبل أن تدون الكتب والحديث في الصدور ; لأنه يخشى أن يخلط فيما يحدث به .

فيه إشارة كما قال شيخنا إلى أنهم كانوا يحدثون على المعاني ، وإلا فلو حفظه لفظا لما أنكره ، ومن ثم اشترط الشافعي ومن تبعه فيمن لم يتقيد بلفظ المحدث كونه عاقلا لما يحيل معناه ، كما تقرر في معرفة من تقبل روايته .

قال الماوردي والروياني : وشرطه أن يكون متساويا له في الجلاء والخفاء ، وإلا فيمتنع ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طلاق في إغلاق ) . فلا يجوز التعبير عنه بالإكراه . وإن كان هو معناه ; لأن الشارع لم يذكره كذلك إلا لمصلحة فيكل استنباطه للعلماء .

ثم جعلا محل الخلاف في غير الأوامر والنواهي ، وجزما بالجواز فيهما ، ومثلا الأمر بقوله : ( اقتلوا الأسودين الحية والعقرب ) فيجوز أن يقال أمر بقتلهما ، والنهي بقوله : ( لا [ ص: 140 ] تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء ) فيجوز أن يقال : نهى عن كذا وكذا . لأن " افعل " أمر ، و " لا تفعل " نهي .

ونازعهما الإسنوي بأن لفظ " افعل " للوجوب ، و " لا تفعل للتحريم " ، بخلاف لفظ الأمر ولفظ النهي . وفيه نظر ; إذ " افعل " و " لا تفعل " حقيقة عبارة عنهما . وكذا عليه - كما قال الخطيب - المبالغة في التوقي والتحري خوفا من إحالة المعنى الذي يتغير به الحكم .

وقيل : لا تجوز له الرواية بالمعنى مطلقا . قاله طائفة من المحدثين والفقهاء والأصوليين من الشافعية وغيرهم ، قال القرطبي : وهو الصحيح من مذهب مالك . حتى إن بعض من ذهب لهذا شدد فيه أكثر التشديد ، فلم يجز تقديم كلمة على كلمة ، وحرف على آخر ، ولا إبدال حرف بآخر ، ولا زيادة حرف ولا حذفه ، فضلا عن أكثر ، ولا تخفيف ثقيل ، ولا تثقيل خفيف ، ولا رفع منصوب ، ولا نصب مجرور أو مرفوع ، ولو لم يتغير المعنى في ذلك كله ، بل اقتصر بعضهم على اللفظ ولو خالف اللغة الفصيحة .

وكذا لو كان لحنا ، كما بين تفصيل هذا كله الخطيب في ( الكفاية ) مما سيأتي بعضه في كل من الفصل الذي بعده والسادس والعاشر قريبا ، لما فيه من خوف الدخول في الوعيد حيث عزى للنبي صلى الله عليه وسلم لفظا لم يقله ، ولكونه صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم ، واختصر له الكلم اختصارا .

وغيره ولو كان في الفصاحة والبلاغة بأقصى غاية ليس مثله ، بل قد يظن توفية اللفظ بمعنى اللفظ الآخر ، ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما عهد في كثير من الأحاديث . [ ص: 141 ] وأيضا فالاتفاق حاصل على ورود الشرع بأشياء قصد فيها الإتيان باللفظ والمعنى جميعا ، نحو التكبير والتشهد والأذان والشهادة ، وإذا كان كذلك أمكن أن يكون المطلوب بالحديث لفظه ومعناه جميعا ، لا سيما وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم : ( نضر الله امرءا سمع منا حديثا فأداه كما سمعه ) . ورده صلى الله عليه وسلم على الذي علمه ما يقوله عند أخذ مضجعه إذ قال : و " رسولك " بقوله : " لا ، ونبيك . قال ابن كثير : وكان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ، ولكن لم يتفق ذلك . انتهى .

وممن اعتمده مسلم ، فإنه في ( صحيحه ) يميز اختلاف الرواة حتى في حرف من المتن ، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى ، وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى ، ولكنه خفي لا يتفطن له إلا من هو في العلم بمكان ، بخلاف البخاري ، وكذا سلكه أبو داود ، وسبقهما لذلك شيخهما أحمد .

ومن أمثلته عنده : ثنا يزيد بن هارون وعباد بن عباد المهلبي قالا : أنا هشام - قال عباد : ابن زياد - عن أبيه ، عن فاطمة ابنة الحسين ، عن أبيها الحسين بن علي مرفوعا : ( ما من مسلم يصاب بمصيبة وإن طال عهدها ) . قال عباد : ( وإن قدم عهدها ) .

وربما نشأ عن نسبة ما يزيده بعض الرواة من الأنساب إثبات راو لا وجود له كما سأذكره في سابع الفصول .

ومن أمثلته في " أبي داود " ساق في الأذان حديثا عن عمرو بن مرزوق ومحمد بن المثنى بلفظ : ( ولولا أن يقول الناس ) . فقال : قال ابن المثنى : ( أن يقولوا ) . وبلفظ : ( لقد أراك الله خيرا ) فقال : ولم يقل عمرو : ( لقد ) .

[ ص: 142 ] ( وقيل : لا ) يجوز ( في الخبر ) يعني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لما تقدم ، ويجوز في غيره ، قاله مالك فيما رواه عنه البيهقي والخطيب وغيرهما .

وقيل : لا يجوز إن كان موجبه عملا كـ ( تحليلها التسليم وتحريمها التكبير ) . و ( خمس يقتلن في الحل والحرم ) ، وإن كان موجبه علما جاز ، بل وفي العمل أيضا ما يجوز بالمعنى ، نقله ابن السمعاني .

وقيل : لا يجوز لغير الصحابة خاصة ، لظهور الخلل في اللسان بالنسبة لمن قبلهم ، بخلاف الصحابة فهم أرباب اللسان وأعلم الخلق بالكلام . حكاه الماوردي والروياني في باب القضاء ، بل جزما بأنه لا يجوز لغير الصحابي ، وجعلا الخلاف في الصحابي دون غيره .

وقيل : لا يجوز لغير الصحابة والتابعين بخلاف من كان منهم . وبه جزم بعض معاصري الخطيب ، وهو حفيد القاضي أبي بكر في ( أدب الرواية ) ، قال : لأن الحديث إذا قيده الإسناد وجب ألا يختلف لفظه فيدخله الكذب .

وقيل : لا يجوز لمن يحفظ اللفظ لزوال العلة التي رخص فيه بسببها ، ويجوز لغيره ; لأنه تحمل اللفظ والمعنى وعجز عن أحدهما فلزمه أداء الآخر ، لأنه بتركه يكون كاتما للأحكام . قاله الماوردي في ( الحاوي ) وذهب إليه .

[ ص: 143 ] وقيل : لا يجوز في الرواية والتبليغ خاصة بخلاف الإفتاء والمناظرة . قاله ابن حزم في كتاب ( الإحكام ) .

وقيل : لا يجوز بغير اللفظ المرادف له بخلافه به ، مع اختلاف الأصوليين في مسألة قيل : إن النزاع في مسألتنا يتفرع عن النزاع فيها ، وهي : جواز إقامة كل من المترادفين مقام الآخر . على ثلاثة أقوال ثالثها التفصيل ، فإن كان من لغته جاز ، وإلا فلا ، وقيل : لا يجوز في المعنى الغامض دون الظاهر . أشار إليه الخطيب .

والمعتمد الأول ، وهو الذي استقر عليه العمل ، والحجة فيه أن في ضبط الألفاظ والجمود عليها ما لا يخفى من الحرج والنصب المؤدي إلى تعطيل الانتفاع بكثير من الأحاديث حتى قال الحسن : لولا المعنى ما حدثنا .

وقال الثوري : لو أردنا أن نحدثكم بالحديث كما سمعناه ما حدثناكم بحرف واحد .

وقال وكيع : إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس .

وأيضا فقد قال الشافعي رحمه الله : وإذا كان الله عز وجل برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزل ، لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ، ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى ، كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه .

وسبقه لنحوه يحيى بن [ ص: 144 ] سعيد القطان فإنه قال : القرآن أعظم من الحديث ، ورخص أن نقرأه على سبعة أحرف . وكذا قال أبو أويس : سألنا الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث ، فقال : إن هذا يجوز في القرآن ، فكيف به في الحديث ! إذا أصبت معنى الحديث ; فلم تحل به حراما ، ولم تحرم به حلالا ، فلا بأس به .

بل قال مكحول وأبو الأزهر : دخلنا على واثلة رضي الله عنه ، فقلنا له : حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه وهم ولا نسيان ، فقال : هل قرأ أحد منكم من القرآن شيئا ؟ فقلنا : نعم ، وما نحن له بحافظين جدا ، إنا لنزيد الواو والألف وننقص .

قال : فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألونه حفظا ، وأنتم تزعمون أنكم تزيدون فيه وتنقصون منه ، فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عسى ألا نكون سمعناها منه إلا مرة واحدة ، حسبكم إذا حدثناكم بالحديث على المعنى .

واحتج حماد بن سلمة بأن الله تعالى أخبر عن موسى عليه السلام وعدوه فرعون بألفاظ مختلفة في معنى واحد كقوله : بشهاب قبس ، و بقبس أو جذوة من النار ، وكذلك قصص سائر الأنبياء عليهم السلام في القرآن ، وقولهم لقومهم بألسنتهم المختلفة ، وإنما نقل إلينا ذلك بالمعنى ، وقد قال أبي بن كعب كما أخرجه أبو داود : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ سبح اسم ربك ، وقل للذين [ ص: 145 ] كفروا ، والله الواحد الصمد . فسمى السورتين الأخيرتين بالمعنى .

ومن أقوى الحجج - كما قال شيخنا - ما حكى فيه الخطيب اتفاق الأمة من جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به ، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى ، وأشار إليه ابن الحاجب ، واستأنسوا للجواز بحديث مرفوع : قلنا : يا رسول الله ، إنا نسمع منك الحديث فلا نقدر أن نؤديه .

فقال : ( إذا لم تحلوا حراما ، ولم تحرموا حلالا ، وأصبتم المعنى ، فلا بأس )
.

وهو حديث مضطرب لا يصح ، بل ذكره الجوزقاني وابن الجوزي في " الموضوعات " ، وفي ذلك نظر .

وكذا استأنسوا له بما يروى عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم ) .

قال : فشق ذلك على أصحابه حتى عرف في وجوههم ، وقالوا : ( يا رسول الله ، قلت هذا ونحن نسمع منك الحديث فنزيد وننقص ، ونقدم ونؤخر ) .

فقال : ( لم أعن ذلك ، ولكن عنيت من كذب علي يريد عيبي وشين الإسلام
) .

وقد قال الحاكم : إنه أيضا حديث باطل ، وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية ، اتفقوا على تكذيبه ، بل قال صالح جزرة : إنه كان يضع الحديث . لكن له [ ص: 146 ] طريق أخرى ، رواه أحمد بن منيع في ( مسنده ) ، والخطيب في ( كفايته ) ، معا من طريق خالد بن دريك ، عن رجل من الصحابة أتم منه . وبه تعلق بعض الوضاعين كما أشرت إليه هناك .

ثم إن ما استدل به المخالف يدفعه القطع بنقل أحاديث - كما تقدم قريبا - في وقائع متحدة بألفاظ مختلفة من غير إنكار من أحد ، بحيث كان إجماعا ، والقصد قطعا مع إيراد اللفظ إنما هو المعنى ، وهو حاصل ، وإن كان لفظ الشارع أبلغ وأوجز ، ويكفي في كونه معناه غلبة الظن ، وإلحاق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بألفاظ الأذان والتشهد ونحوهما من التوقيفيات لا دليل له كما قاله الخطيب .

وحديث ( نضر الله ) ربما يتمسك به للجواز ، لكونه مع ما قيل : إنه صلى الله عليه وسلم لم يحدث به سوى مرة واحدة ، روي بألفاظ مختلفة : كـ ( رحم الله ) ، و ( من سمع ) ، و ( مقالتي ) ، و ( بلغه ) ، و ( أفقه ) ، و ( لا فقه له ) مكان ( نضر الله ) ، و ( امرأ ) ، و ( منا حديثا ) ، و ( أداه ) ، و ( أوعى ) ، و ( ليس بفقيه ) .

لا سيما وفيه ما يرشد إلى الفرق بين العارف وغيره بقوله : ( فرب مبلغ أوعى من سامع ، ورب حامل فقه وليس بفقيه ، إلى من هو أفقه منه ) .

وأما حديث : ( لا ونبيك ) ففي الاستدلال به نظر ; لأنه وإن تحقق بالقطع أن المعنى في اللفظين متحد ; لأن الذات المحدث عنها واحدة ، فالمراد يفهم بأي صفة وصف بها الموصوف ، فيحتمل أن المنع لكون ألفاظ الأذكار كما سيأتي في الفصل الثاني عشر توقيفية ، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس ، فتجب [ ص: 147 ] المحافظة على اللفظ الذي وردت به .

وبالجملة ، فيستحب له أن يورد الأحاديث بألفاظها كما قاله الحسن وغيره ; لأن ذلك أسلم وأفضل كما قاله ابن سيرين وغيره ، ولذا كان ابن مهدي - فيما حكاه عنه الإمام أحمد - يتوقى كثيرا ، ويحب أن يحدث بالألفاظ . هذا كله فيمن تحمل من غير التصانيف .

والشيخ ابن الصلاح في ( التصنيف ) المدون ( قطعا قد حظر ) بالمهملة ثم المعجمة ، أي : منع تغيير اللفظ الذي اشتمل عليه ، وإثبات لفظ آخر بدله بمعناه ، بدون إجراء خلاف منه ، بل ولا علم غيره أجراه ، لكون المشقة في ضبط الألفاظ والجمود عليها التي هو معول الترخيص منتفية في الكتب المدونة ، يعني كما هو أحد الأقوال في القسم الأول المحكي فيه المنع لحافظ اللفظ ، وأيضا فهو إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره .

وهذا قد يؤخذ منه اختصاص المنع بما إذا روينا التصنيف نفسه أو نسخناه ، أما إذا نقلنا منه إلى تخاريجنا وأجزائنا فلا ، إذ التصنيف حينئذ لم يتغير ، وهو مالك لتغيير اللفظ . أشار إليه ابن دقيق العيد ، وأقره شيخنا ، وهو ظاهر وإن نازع المؤلف فيه ، وحينئذ فهو كما قال ابن دقيق العيد : لا يجري على الاصطلاح ، فإن الاصطلاح على أن لا تغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة ، سواء روينا فيها أو نقلنا منها .

ووافقه المؤلف في كونه الاصطلاح ، لكن ميل شيخنا إلى الجواز إذا قرن بما يدل عليه ، كقوله : " بنحوه " .

ويشهد له تسوية ابن أبي الدم كما تقدم في [ ص: 148 ] رابع التنبيهات التالية لثاني أقسام التحمل بين القسمين ، لا سيما وقد قال ابن الصلاح في القسم الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية