( 2151 ) مسألة : قال : ( ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه ) يعني تقام الجماعة فيه . وإنما اشترط ذلك ; لأن الجماعة واجبة ، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين : إما ترك الجماعة الواجبة ، وإما خروجه إليها ، فيتكرر ذلك منه كثيرا مع إمكان التحرز منه ، وذلك مناف للاعتكاف ، إذ هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله فيه . ولا يصح
nindex.php?page=treesubj&link=2562_2572الاعتكاف في غير مسجد إذا كان المعتكف رجلا .
لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا ، والأصل في ذلك قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } . فخصها بذلك ، ولو صح الاعتكاف في غيرها ، لم يختص تحريم المباشرة فيها ; فإن المباشرة محرمة في الاعتكاف مطلقا .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، قالت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33790 : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه ، وهو في المسجد ، فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا . } وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بإسناده ، عن
الزهري ،
[ ص: 66 ] عن
عروة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، في حديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17248وأن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ، nindex.php?page=treesubj&link=2572_2562ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة } . فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله إلى أن كل مسجد تقام فيه الجماعة يجوز الاعتكاف فيه ، ولا يجوز في غيره . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ،
وعائشة ،
والزهري ، ما يدل على هذا . واعتكف
nindex.php?page=showalam&ids=12134أبو قلابة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير في مسجد حيهما .
وروي عن
عائشة ،
والزهري ، أنه لا يصح إلا في مساجد الجماعات . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، إذا كان اعتكافه يتخلله جمعة ، لئلا يلتزم الخروج من معتكفه ، لما يمكنه التحرز من الخروج إليه . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب : لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد نبي . وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ، أن الاعتكاف لا يصح إلا في أحد المساجد الثلاثة . قال
سعيد : حدثنا
مغيرة ، عن
إبراهيم ، قال : دخل
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة مسجد
الكوفة ، فإذا هو بأبنية مضروبة ، فسأل عنها . فقيل : قوم معتكفون . فانطلق إلى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، فقال : ألا تعجب من قوم يزعمون أنهم معتكفون بين دارك ودار
الأشعري ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله : فلعلهم أصابوا وأخطأت ، وحفظوا ونسيت . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة : لقد علمت ما الاعتكاف إلا في ثلاثة مساجد :
المسجد الحرام ،
والمسجد الأقصى ،
ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : يصح الاعتكاف في كل مسجد ; لعموم قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وأنتم عاكفون في المساجد } . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا لم يكن اعتكافه يتخلله جمعة .
ولنا ، قول
عائشة : من السنة للمعتكف ، أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة . وقد قيل : إن هذا من قول
الزهري . وهو ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفما كان . وروى
سعيد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم ، حدثنا
جويبر ، عن
الضحاك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28819كل مسجد له إمام ومؤذن ، فالاعتكاف فيه يصلح } . ولأن قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وأنتم عاكفون في المساجد } يقتضي إباحة الاعتكاف في كل مسجد ، إلا أنه يقيد بما تقام فيه الجماعة بالأخبار ، والمعنى الذي ذكرناه ، ففيما عداه يبقى على العموم .
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في اشتراطه موضعا تقام فيه الجمعة ، لا يصح ; للأخبار ، ولأن الجمعة لا تتكرر ، فلا يضر وجوب الخروج إليها ، كما لو اعتكفت المرأة مدة يتخللها أيام حيضها . ولو كان الجامع تقام فيه الجمعة وحدها ، ولا يصلى فيه غيرها ، لم يجز الاعتكاف فيه . ويصح عند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . ومبنى الخلاف على أن الجماعة واجبة عندنا ، فيلتزم الخروج من معتكفه إليها ، فيفسد اعتكافه ، وعندهم ليست واجبة . ( 2152 )
فصل : وإن
nindex.php?page=treesubj&link=2562_2607كان اعتكافه مدة غير وقت الصلاة ; كليلة أو بعض يوم ، جاز في كل مسجد ; لعدم المانع . وإن كانت تقام فيه في بعض الزمان ، جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمان دون غيره . وإن كان المعتكف ممن لا تلزمه الجماعة ، كالمريض ، والمعذور ، ومن هو في قرية لا يصلي فيها سواه ، جاز اعتكافه في كل مسجد ; لأنه لا تلزمه
[ ص: 67 ] الجماعة ، فأشبه المرأة . وإن اعتكف اثنان في مسجد لا تقام فيه جماعة ، فأقاما الجماعة فيه ، صح اعتكافهما ; لأنهما أقاما الجماعة ، فأشبه ما لو أقامها فيه غيرهما . ( 2153 )
فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=2572_2562وللمرأة أن تعتكف في كل مسجد . ولا يشترط إقامة الجماعة فيه ; لأنها غير واجبة عليها . وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وليس لها الاعتكاف في بيتها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : لها الاعتكاف في مسجد بيتها ، وهو المكان الذي جعلته للصلاة منه ، واعتكافها فيه أفضل ; لأن صلاتها فيه أفضل . وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، أنها لا يصح اعتكافها في مسجد الجماعة ; {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29453لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاعتكاف في المسجد ، لما رأى أبنية أزواجه فيه ، وقال : البر تردن ، } . ولأن مسجد بيتها موضع فضيلة صلاتها ، فكان موضع اعتكافها ، كالمسجد في حق الرجل .
ولنا ، قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وأنتم عاكفون في المساجد } . والمراد به المواضع التي بنيت للصلاة فيها ، وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد ; لأنه لم يبن للصلاة فيه ، وإن سمي مسجدا كان مجازا ، فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17710جعلت لي الأرض مسجدا } .
ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه في الاعتكاف في المسجد ، فأذن لهن ، ولو لم يكن موضعا لاعتكافهن ، لما أذن فيه ، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلهن عليه ، ونبههن عليه ، ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حق الرجل ، فيشترط في حق المرأة ، كالطواف ، وحديث
عائشة حجة لنا ; لما ذكرنا ، وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال ، حيث كثرت أبنيتهن ، لما رأى من منافستهن ، فكرهه منهن ، خشية عليهن من فساد نيتهن ، وسوء المقصد به ، ولذلك قال : ( البر تردن ، ) . منكرا لذلك ، أي لم تفعلن ذلك تبررا ، ولذلك ترك الاعتكاف ، لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه ، ولو كان للمعنى الذي ذكروه ، لأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن ، ولم يأذن لهن في المسجد . وأما الصلاة فلا يصح اعتبار الاعتكاف بها ، فإن صلاة الرجل في بيته أفضل ، ولا يصح اعتكافه فيه . ( 2154 )
فصل : ومن
nindex.php?page=treesubj&link=2562_2572سقطت عنه الجماعة من الرجال ، كالمريض إذا أحب أن يعتكف في مسجد لا تقام فيه الجماعة ، ينبغي أن يجوز له ذلك ; لأن الجماعة ساقطة عنه ، فأشبه المرأة . ويحتمل ألا يجوز له ذلك ; لأنه من أهل الجماعة ، فأشبه من تجب عليه ، ولأنه إذا التزم الاعتكاف ، وكلفه نفسه ، فينبغي أن يجعله في مكان تصلى فيه الجماعة . ولأن من التزم ما لا يلزمه ، لا يصح بدون شروطه ، كالمتطوع بالصوم والصلاة . ( 2155 )
فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=2562وإذا اعتكفت المرأة في المسجد ، استحب لها أن تستتر بشيء ; لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهن فضربن في المسجد ، ولأن المسجد يحضره الرجال ، وخير لهم وللنساء أن لا يرونهن ولا يرينهم . وإذا ضربت بناء جعلته في مكان لا يصلي فيه الرجال ، لئلا تقطع صفوفهم ، ويضيق عليهم . ولا
[ ص: 68 ] بأس أن يستتر الرجل أيضا ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببنائه فضرب ، ولأنه أستر له ، وأخفى لعمله . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13587أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية ، على سدتها قطعة حصير . قال : فأخذ الحصير بيده ، فنحاها في ناحية القبلة ، ثم أطلع رأسه ، فكلم الناس } . والله أعلم .
( 2151 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ ) يَعْنِي تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ . وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ ، وَاعْتِكَافُ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ يُفْضِي إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ ، وَإِمَّا خُرُوجُهُ إلَيْهَا ، فَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ كَثِيرًا مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ ، إذْ هُوَ لُزُومُ الْمُعْتَكَفِ وَالْإِقَامَةُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِيهِ . وَلَا يَصِحُّ
nindex.php?page=treesubj&link=2562_2572الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ إذَا كَانَ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا .
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } . فَخَصَّهَا بِذَلِكَ ، وَلَوْ صَحَّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِهَا ، لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ فِيهَا ; فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ ، قَالَتْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33790 : إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلَ عَلَيَّ رَأْسَهُ ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَأُرَجِّلُهُ ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةٍ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا . } وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ
الزُّهْرِيِّ ،
[ ص: 66 ] عَنْ
عُرْوَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ ، فِي حَدِيثٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17248وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ، nindex.php?page=treesubj&link=2572_2562وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ } . فَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ . وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ ،
وَعَائِشَةَ ،
وَالزُّهْرِيِّ ، مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا . وَاعْتَكَفَ
nindex.php?page=showalam&ids=12134أَبُو قِلَابَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِمَا .
وَرُوِيَ عَنْ
عَائِشَةَ ،
وَالزُّهْرِيِّ ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ . وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، إذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ يَتَخَلَّلُهُ جُمُعَةٌ ، لِئَلَّا يَلْتَزِمَ الْخُرُوجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ ، لِمَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ . وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ . وَحُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ ، أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ . قَالَ
سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا
مُغِيرَةُ ، عَنْ
إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : دَخَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةُ مَسْجِدَ
الْكُوفَةِ ، فَإِذَا هُوَ بِأَبْنِيَةٍ مَضْرُوبَةٍ ، فَسَأَلَ عَنْهَا . فَقِيلَ : قَوْمٌ مُعْتَكِفُونَ . فَانْطَلَقَ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ : أَلَا تَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُعْتَكِفُونَ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ
الْأَشْعَرِيِّ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ : فَلَعَلَّهمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت ، وَحَفِظُوا وَنَسِيت . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةُ : لَقَدْ عَلِمْت مَا الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ :
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ،
وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ،
وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ : يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ; لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } . وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ اعْتِكَافُهُ يَتَخَلَّلُهُ جُمُعَةٌ .
وَلَنَا ، قَوْلُ
عَائِشَةَ : مِنْ السُّنَّةِ لِلْمُعْتَكِفِ ، أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ
الزُّهْرِيِّ . وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَمَا كَانَ . وَرَوَى
سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا
جُوَيْبِرٌ ، عَنْ
الضَّحَّاكِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28819كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ ، فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصْلُحُ } . وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } يَقْتَضِي إبَاحَةَ الِاعْتِكَافِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ، إلَّا أَنَّهُ يُقَيَّدُ بِمَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ بِالْأَخْبَارِ ، وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ .
وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِهِ مَوْضِعًا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ ، لَا يَصِحُّ ; لِلْأَخْبَارِ ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَتَكَرَّرُ ، فَلَا يَضُرُّ وُجُوبُ الْخُرُوجِ إلَيْهَا ، كَمَا لَوْ اعْتَكَفَتْ الْمَرْأَةُ مُدَّةً يَتَخَلَّلُهَا أَيَّامُ حَيْضِهَا . وَلَوْ كَانَ الْجَامِعُ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَحْدَهَا ، وَلَا يُصَلَّى فِيهِ غَيْرُهَا ، لَمْ يَجُزْ الِاعْتِكَافُ فِيهِ . وَيَصِحُّ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ . وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا ، فَيَلْتَزِمُ الْخُرُوجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَيْهَا ، فَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ ، وَعِنْدَهُمْ لَيْسَتْ وَاجِبَةً . ( 2152 )
فَصْلٌ : وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=2562_2607كَانَ اعْتِكَافُهُ مُدَّةً غَيْرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ ; كَلَيْلَةٍ أَوْ بَعْضِ يَوْمٍ ، جَازَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ; لِعَدَمِ الْمَانِعِ . وَإِنْ كَانَتْ تُقَامُ فِيهِ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ ، جَازَ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ دُونَ غَيْرِهِ . وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ ، كَالْمَرِيضِ ، وَالْمَعْذُورِ ، وَمَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا سِوَاهُ ، جَازَ اعْتِكَافُهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ; لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ
[ ص: 67 ] الْجَمَاعَةُ ، فَأَشْبَهَ الْمَرْأَةَ . وَإِنْ اعْتَكَفَ اثْنَانِ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ جَمَاعَةٌ ، فَأَقَامَا الْجَمَاعَةَ فِيهِ ، صَحَّ اعْتِكَافُهُمَا ; لِأَنَّهُمَا أَقَامَا الْجَمَاعَةَ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَامَهَا فِيهِ غَيْرُهُمَا . ( 2153 )
فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=2572_2562وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ . وَلَا يُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ ; لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا . وَبِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ . وَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِي بَيْتِهَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ : لَهَا الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي جَعَلَتْهُ لِلصَّلَاةِ مِنْهُ ، وَاعْتِكَافُهَا فِيهِ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ صَلَاتَهَا فِيهِ أَفْضَلُ . وَحُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، أَنَّهَا لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ ; {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29453لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ ، لَمَّا رَأَى أَبْنِيَةَ أَزْوَاجِهِ فِيهِ ، وَقَالَ : الْبِرَّ تُرِدْنَ ، } . وَلِأَنَّ مَسْجِدَ بَيْتِهَا مَوْضِعُ فَضِيلَةِ صَلَاتِهَا ، فَكَانَ مَوْضِعَ اعْتِكَافِهَا ، كَالْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ .
وَلَنَا ، قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } . وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ فِيهَا ، وَمَوْضِعُ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ، وَإِنْ سُمِّيَ مَسْجِدًا كَانَ مَجَازًا ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسَاجِدِ الْحَقِيقِيَّةِ ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17710جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا } .
وَلِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَّهُ فِي الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَأَذِنَ لَهُنَّ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِاعْتِكَافِهِنَّ ، لَمَا أَذِنَ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِهِ أَفْضَلَ لَدَلَّهُنَّ عَلَيْهِ ، وَنَبَّهَهُنَّ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ قُرْبَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا الْمَسْجِدُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ ، فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ، كَالطَّوَافِ ، وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ حُجَّةٌ لَنَا ; لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنَّمَا كَرِهَ اعْتِكَافَهُنَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ ، حَيْثُ كَثُرَتْ أَبْنِيَتُهُنَّ ، لِمَا رَأَى مِنْ مُنَافَسَتِهِنَّ ، فَكَرِهَهُ مِنْهُنَّ ، خَشْيَةً عَلَيْهِنَّ مِنْ فَسَادِ نِيَّتِهِنَّ ، وَسُوءِ الْمَقْصِدِ بِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : ( الْبِرَّ تُرِدْنَ ، ) . مُنْكِرًا لِذَلِكَ ، أَيْ لَمْ تَفْعَلْنَ ذَلِكَ تَبَرُّرًا ، وَلِذَلِكَ تَرَكَ الِاعْتِكَافَ ، لِظَنِّهِ أَنَّهُنَّ يَتَنَافَسْنَ فِي الْكَوْنِ مَعَهُ ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ ، لَأَمَرَهُنَّ بِالِاعْتِكَافِ فِي بُيُوتِهِنَّ ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ . وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الِاعْتِكَافِ بِهَا ، فَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ ، وَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ فِيهِ . ( 2154 )
فَصْلٌ : وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=2562_2572سَقَطَتْ عَنْهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ الرِّجَالِ ، كَالْمَرِيضِ إذَا أَحَبَّ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ، يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ ، فَأَشْبَهَ الْمَرْأَةَ . وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ ، فَأَشْبَهَ مَنْ تَجِبْ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ إذَا الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ ، وَكَلَّفَهُ نَفْسَهُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مَكَان تُصَلَّى فِيهِ الْجَمَاعَةُ . وَلِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَا لَا يَلْزَمُهُ ، لَا يَصِحُّ بِدُونِ شُرُوطِهِ ، كَالْمُتَطَوِّعِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ . ( 2155 )
فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=2562وَإِذَا اعْتَكَفَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْمَسْجِدِ ، اُسْتُحِبَّ لَهَا أَنْ تَسْتَتِرَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَدْنَ الِاعْتِكَافَ أَمَرْنَ بِأَبْنِيَتِهِنَّ فَضُرِبْنَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ ، وَخَيْرٌ لَهُمْ وَلِلنِّسَاءِ أَنْ لَا يَرُونَهُنَّ وَلَا يَرَيْنَهُمْ . وَإِذَا ضَرَبَتْ بِنَاءً جَعَلَتْهُ فِي مَكَان لَا يُصَلِّي فِيهِ الرِّجَالُ ، لِئَلَّا تَقْطَعَ صُفُوفَهُمْ ، وَيُضَيَّقَ عَلَيْهِمْ . وَلَا
[ ص: 68 ] بَأْسَ أَنْ يَسْتَتِرَ الرَّجُلُ أَيْضًا ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِبِنَائِهِ فَضُرِبَ ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ ، وَأَخْفَى لِعَمَلِهِ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13587أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ ، عَلَى سُدَّتِهَا قِطْعَةُ حَصِيرٍ . قَالَ : فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ ، فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ ، فَكَلَّمَ النَّاسَ } . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .