الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل والمقصود أن كل ما يستعمل فيه لفظ التولد من الأعيان القائمة فلا بد أن يكون من أصلين ومن انفصال جزء من الأصل . وإذا قيل في الشبع والري : إنه متولد أو في زهوق الروح ونحو ذلك من الأعراض أنه متولد فلا بد في جميع ما يستعمل فيه هذا اللفظ من أصلين لكن العرض يحتاج إلى محل لا يحتاج إلى مادة تنقلب عرضا : بخلاف الأجسام فإنها إنما تخلق من مواد تنقلب أجساما كما تنقلب إلى نوع آخر كانقلاب المني علقة . ثم مضغة وغير ذلك من خلق الحيوان والنبات . وأما ما كان من أصل واحد : كخلق حواء من الضلع القصرى لآدم وهو وإن كان مخلوقا من مادة أخذت من آدم فلا يسمى هذا تولدا ; ولهذا لا يقال : إن آدم ولد حواء ولا يقال إنه أبو حواء بل خلق الله حواء من آدم كما خلق آدم من الطين . [ ص: 267 ] وأما المسيح فيقال : إنه ولدته مريم ويقال : المسيح ابن مريم فكان المسيح جزءا من مريم وخلق بعد نفخ الروح في فرج مريم كما قال تعالى : { ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين } وفي الأخرى : { فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين } وأما حواء فخلقها الله من مادة أخذت من آدم كما خلق آدم من المادة الأرضية وهي الماء والتراب والريح الذي أيبسته حتى صار صلصالا فلهذا لا يقال إن آدم ولد حواء ولا آدم ولده التراب ويقال في المسيح : ولدته مريم فإنه كان من أصلين من مريم ومن النفخ الذي نفخ فيها جبريل .

                قال الله تعالى { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا } { قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا } { قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا } { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا } { قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا } { فحملته فانتبذت به مكانا قصيا } إلى آخر القصة . فهي إنما حملت به بعد النفخ لم تحمل به مدة بلا نفخ ثم نفخت فيه روح الحياة كسائر الآدميين ففرق بين النفخ للحمل وبين النفخ لروح الحياة . [ ص: 268 ] فتبين أن ما يقال إنه متولد من غيره من الأعيان القائمة بنفسها فلا يكون إلا من مادة تخرج من ذلك الوالد ولا يكون إلا من أصلين والرب تعالى صمد فيمتنع أن يخرج منه شيء وهو سبحانه لم يكن له صاحبة فيمتنع أن يكون له ولد . وأما ما يستعمل من تولد الأعراض . كما يقال : تولد الشعاع وتولد العلم عن الفكر وتولد الشبع عن الأكل وتولدت الحرارة عن الحركة ونحو ذلك فهذا ليس من تولد الأعيان ; مع أن هذا لا بد له من محل ولا بد له من أصلين . ولهذا كان قول النصارى إن المسيح ابن الله - تعالى الله عن ذلك - مستلزما لأن يقولوا : إن مريم صاحبة الله فيجعلون له زوجة وصاحبة كما جعلوا له ولدا وبأي معنى فسروا كونه ابنه فإنه يفسر الزوجة بذلك المعنى والأدلة الموجبة تنزيهه عن الصاحبة توجب تنزيهه عن الولد فإذا كانوا يصفونه بما هو أبعد عن اتصافه به كان اتصافه بما هو أقل بعدا لازما لهم وقد بسط هذا في الرد على النصارى .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية