الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وما شم من نبات الأرض مما لا يتخذ طيبا ، أو أكل تفاحا ، أو أترجا ، أو دهن جسده بغير طيب فلا فدية عليه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة النبات الذكي ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : ما كان طيبا ويتخذ بعد يبسه طيبا ، مثل الزعفران ، والورس ، والكافور ، والعود ، والورد ، والياسمين ، والنرجس ، والخيري ، والزنبق ، والكاذي ، فهذا كل طيب متى استعمله المحرم بشم ، أو غيره فعليه الفدية .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما ليس بطيب ، ولا يتخذ طيبا وإن كان طيب الريح وهو ثلاثة أنواع : أحدها : ما يعد مأكولا كالتفاح ، والنارنج ، والليمون ، والمصطلكي ، والدارصيني ، والزنجبيل .

                                                                                                                                            والنوع الثاني : ما كان يعد معلوما أو حطبا ، مثل الشيح ، والقيصوم والإذخر .

                                                                                                                                            والنوع الثالث : ما يعد لزهرته وحسن منظره ، لا لرائحته كالبهار ، والأدريون والخزامي ، والشقائق ، والمنثور سوى الخيري ، وكذلك ورد الأترج ، والنارنج ، والتفاح ، والمشمش ، هذا كله وما في معناه ليس بطيب ، فإن شفه أو أكله أو دقه ولطخ به جسده فلا فدية عليه : لأنه ليس بطيب .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : ما كان طيبا . لكن لا يتخذ بعد يبسه طيبا ، مثل الريحان ، والمرزنجوش ، والشاهين ، والحماحم ، فهذا كله يتخذ للشم ، لكن لا يتخذ بعد يبسه طيبا ، ولا يراد به دهن ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز للمحرم استعماله ولا فدية فيه ، وهو قوله في بعض القديم وبه قال من الصحابة عثمان ، وعبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، لما روي عن عثمان بن عفان أن [ ص: 109 ] النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المحرم يدخل البستان ، ويشم الريحان فأجاز ذلك . قال الشافعي : إلا أن في إسناده ضعفا . ولأنه نبت لا يتخذ طيبا ، فوجب أن لا يفتدي لأجله المحرم ، كالشيح ، والقيصوم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه " في الإملاء والأم أنه لا يجوز للمحرم استعماله وعليه الفدية وبه قال من الصحابة جابر وابن عمر : لأنه نبت يشم طيبا ، فوجب أن يفتدي لأجله المحرم ، كالورد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية