الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وما أكل من خبيص فيه زعفران ، فصبغ اللسان ، فعليه الفدية وإن كان مستهلكا ، فلا فدية فيه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا أكل المحرم خبيصا ، أو غيره من الحلواء والطبيخ ، وفيه زعفران ، أو غيره من الطيب ، فإن لم يظهر فيه طعمه ولا لونه ولا رائحته فلا فدية فيه لأن الطيب مستهلك فيه وإن ظهر بأحد أوصافه ، نظرت ، فإن ظهرت فيه رائحة ، ففيه الفدية : لأن رائحة الطيب هي المقصودة ، وإن ظهر فيه طعم ففيه الفدية أيضا : لأن طعمه في المأكول مقصود ، وإن ظهر فيه لونه لا غير . فنص الشافعي ها هنا ، وفي مختصر الحج ، أن فيه الفدية . فاختلف أصحابنا فكان أبو العباس بن سريج ، وأبو الطيب بن سلمة ، يخرجان المسألة على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : فيه الفدية : لأن لون الزعفران مقصود كطعمه ، ولأن بقاء لونه دليل على بقاء رائحته ، وإن خفي .

                                                                                                                                            [ ص: 111 ] والقول الثاني : لا فدية فيه ، وهو الصحيح . وبه قال من الصحابة جابر ، وابن عمر ، ومن التابعين عطاء ، وطاوس ، ومجاهد : لأن رائحة الطيب مقصودة دون لونه ، ألا ترى أن العصفر أشهر لونا منه ولا فدية فيه ، ولأن رائحة الطيب لو زالت من الثوب ، وبقي لونه لم تجب فيه الفدية ، فكذلك الطعام ، المأكول ، إذا بقي فيه لون الطيب لم تجب الفدية ، وكان أبو إسحاق المروزي يمنع من تخريجها على قولين ، ويحمل اختلاف قول الشافعي على اختلاف حالين ، فالموضع الذي أوجب الفدية ، إذا بقي مع لون الطيب ، إما ريحه ، أو طعمه ، والموضع الذي أسقط الفدية إذا لم يبق غير لونه ، وسواء ما مسه النار أو غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية