الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله ، وجنده وحزبه الأمين ، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين ، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء ، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء ، ودخل الناس به في دين الله أفواجا ، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا ، خرج له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتائب الإسلام ، وكانت صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم ، أمن الناس به وكلم بعضهم بعضا وناظره في الإسلام وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه ، والدعوة إليه ، والمناظرة عليه ، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام ، ولهذا سماه الله فتحا في قوله : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) [ الفتح : 1 ] ، نزلت في شأن الحديبية ، فقال عمر : يا رسول الله أوفتح هو ؟ قال : " نعم " . وأعاد سبحانه وتعالى ذكر كونه فتحا ، فقال : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) إلى قوله : ( فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) [ الفتح : 27 ] وهذا شأنه - سبحانه - أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها ، المنبهة عليها ، كما قدم بين يدي قصة المسيح ، وخلقه من غير أب ، قصة زكريا وخلق الولد له مع كونه كبيرا لا يولد لمثله ، وكما قدم بين يدي نسخ القبلة قصة البيت وبنائه وتعظيمه ، والتنويه به وذكر بانيه وتعظيمه ومدحه ، ووطأ قبل ذلك كله بذكر النسخ وحكمته المقتضية له ، وقدرته الشاملة له ، وهكذا ما قدم بين يدي مبعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - من قصة الفيل ، وبشارات الكهان به ، وغير ذلك ، وكذلك الرؤيا الصالحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت مقدمة بين يدي الوحي في اليقظة ، وكذلك الهجرة كانت مقدمة بين يدي الأمر بالجهاد ، ومن تأمل أسرار الشرع والقدر ، رأى من ذلك ما تبهر حكمته الألباب . وقد ذكرها الله تعالى في القرآن في غير موضع ، فقال تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى الآية ( الحديد : 10 ) . وقال تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( النصر ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الفتح في رمضان .

            قال الزهري : وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك ، رواه البخاري . تنبيه

            لا خلاف أن هذه الغزوة كانت في رمضان ، كما في الصحيح ، وغيره ، وعن ابن عباس قال : ابن شهاب كما عند البيهقي من طريق عقيل : لا أدري أخرج في شعبان فاستقبل رمضان ، أو خرج في رمضان بعد ما دخل ؟ ورواه البيهقي من طريق ابن أبي حفصة عن الزهري بإسناد صحيح . قال : صبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان .

            وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع

            رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان ،
            وهذا يدفع التردد الماضي ، ويعين يوم الخروج ، وقول الزهري يعين يوم الدخول ، ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يوما .

            قال الحافظ : وأما ما قاله الواقدي أنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه ، قلت : قد وافق الواقدي على ذلك ابن إسحاق وغيره ، ورواه إسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس ، وعند مسلم أنه دخل لست عشرة ، ولأحمد لثماني عشرة ، وفي أخرى لثنتي عشرة ، والجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي ، والذي في المغازي : دخل لتسع عشرة مضت وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر .

            ووقع في أخرى : بالشك في تسع عشرة أو سبع عشرة وروى يعقوب بن سفيان من طريق الحسن عن جماعة من مشايخه : أن الفتح كان في عشرين من رمضان ، فإن ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الأوسط قبل أن يدخل الأخير .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية