الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                ما يحصل به البلوغ " هو أشياء " الأول : الإنزال ، وسواء فيه الذكر والأنثى .

                وفي وجه : لا يكون بلوغا في النساء ; لأنه نادر فيهن ، ووقت إمكانه : استكمال تسع سنين ، وفي وجه : مضي نصف العاشرة . وفي آخر استكمالها .

                قال الإسنوي : وهذان الوجهان في الصبي ، أما الصبية : فقيل : أول التاسعة . وقيل : نصفها ، صرح به في التتمة ، وتعليل الرافعي يرشد إليه ، ونظيره : الحيض ، والأصح فيه : الأول ، وفيه وجه : مضي نصف التاسعة . وفي آخر : الشروع فيها ، واللبن . وجزم فيه بالأول .

                الثاني : السن ، وهو استكمال خمس عشرة سنة ، وفي وجه : بالطعن في الخامسة عشرة .

                وفي آخر : حكاه السبكي : مضي ستة أشهر منها . قال السبكي : والحكمة في تعليق التكليف بخمس عشرة سنة : أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة ، والتوقان ، وتتسع معها الشهوات في الأكل ، والتبسط ، ودواعي ذلك ويدعوه إلى ارتكاب ما لا ينبغي ، ولا يحجره عن ذلك ويرد النفس عن جماحها ، إلا رابطة التقوى ، وتسديد المواثيق عليه والوعيد ، وكان مع ذلك قد كمل عقله ، واشتد أسره ، وقوته ، فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه ، لقوة الدواعي الشهوانية ، والصوارف العقلية ، واحتمال القوة للعقوبات على المخالفة .

                وقد جعل الحكماء للإنسان أطوارا ، كل طور سبع سنين ، وأنه إذا تكمل الأسبوع الثاني ، تقوى مادة الدماغ ، لاتساع المجاري ، وقوة الهضم فيعتدل الدماغ ، وتقوى الفكرة ، والذكر ، وتتفرق الأرنبة ; وتتسع الحنجرة فيغلظ الصوت ، لنقصان الرطوبة وقوة الحرارة . وينبت الشعر لتوليد الأبخرة ، ويحصل الإنزال ، بسبب الحرارة . وتمام الأسبوع الثاني : هو في أواخر الخامسة عشر ( لأن الحكماء يحسبون ) بالشمسية .

                [ ص: 224 ] والمشرعون يعتبرون الهلالية وتمام الخامسة عشرة ) متأخر عن ذلك شهرا ، فإما أن تكون الشريعة حكمت بتمامها ، لكونه أمرا مضبوطا ، أو لأن هناك دقائق اطلع الشرع عليها ، ولم يصل الحكماء إليها اقتضت تمام السنة .

                قال : وقد اشتملت الروايات الثلاث في حديث { رفع القلم } وهو قوله { حتى يكبر } و { حتى يعقل } و { حتى يحتلم } : على المعاني الثلاثة التي ذكرنا أنها تحصل عند خمس عشرة سنة .

                فالكبر : إشارة إلى قوته وشدته ، واحتماله التكاليف الشاقة ، والعقوبات على تركها ، والعقل : المراد به فكره ، فإنه وإن ميز قبل ذلك ، لم يكن فكره تاما ، وتمامه عند هذا السن ، وبذلك يتأهل للمخاطبة ، وفهم كلام الشارع ، والوقوف مع الأوامر ، والنواهي ، والاحتلام : إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة ، التي توقع في الموبقات ، وتجذبه إلى الهوي في الدركات ، وجاء التكليف كالحكمة في رأس البهيمة يمنعها من السقوط ، انتهى كلام السبكي ، ثم قال : وأنا أقول : إن البلوغ في الحقيقة المقتضي للتكليف : هو بلوغ وقت النكاح للآية ، والمراد ببلوغ وقته بالاشتداد ، والقوة ، والتوقان ، وأشباه ذلك .

                فهذا في الحقيقة : هو البلوغ المشار إليه في الآية الكريمة .

                وضبطه الشارع بأنواع :

                أظهرها : الإنزال ، وإذا أنزل تحققنا حصول تلك الحالة : إما قبيل الإنزال ، وإما مقارنه .

                الثالث : إنبات العانة ، وهو يقتضي الحكم بالبلوغ في الكفار . وفي وجه : والمسلمين أيضا .

                ومبنى الخلاف : على أنه بلوغ حقيقة ، أو دليل عليه ، وفيه قولان . أظهرهما : الثاني ، فلو قامت بينة على أنه لم يكمل خمس عشرة سنة ، لم يحكم ببلوغه .

                الرابع : نبات الإبط ، واللحية ، والشارب ، فيه طريقان .

                أحدهما : أنه لا أثر لها قطعا .

                والثاني : أنها كالعانة ، وألحق صاحب التهذيب الإبط بها ، دون اللحية ، والشارب .

                الخامس : انفراق الأرنبة ، وغلظ الصوت ، ونهود الثدي ، ولا أثر لها على المذهب ، وتختص المرأة بالحيض والحبل .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية